سَيُكْتَبْ الكثير عن 4 آب 2020… يوم جديد إجتاح تاريخ لبنان من بابه العريض، فحجم وهول الإنفجار، ومأساة الضحايا، وأوجاع المصابين، وفظاعة الدمار، وردّة الفعل التضامنية العالمية، جعلوا من هذا اليوم ذكرى تاريخية في مسيرة وطن لم ترتوِ أرضه بعد من دماء أبنائها، على الرغم من كل المآسي التي مرّت بها على مدى عقود…
لكن المفارقة المؤلمة، هي أن يكون هذا اليوم التاريخي للوطن، هو نتيجة يوم عادي في مسار “الدولة الفاشلة” بثقافتها المتجذّرة منذ عقود والعصيّة على الإصلاح حتى الآن، والتي تؤكّد في كل إستحقاق مدى هشاشة مؤسساتها وقدراتها وخفّتها وعدم كفايتها وتعقيدات أخذ القرار فيها، وثقافة الإهمال والإستهتار التي تمتاز بها، وقلّة مسؤوليتها أو إدراكها في التعاطي مع شؤون البلاد وها الرابع من آب يكرّس ذروة ادائها الفاشل.
لأنه إذا ما زالت الشكوك والتساؤلات قائمة بإنتظار ما سيكشفه التحقيق عن سبب الانفجار وما إذا كان ناتجاً عن حادث مشؤوم أو عن عمل جرمي إرهابي، فإن المسؤولية التي لا شكّ فيها ولا تحتاج الإنتظار، هي مسؤولية “الدولة الفاشلة” في تخزين هذه المواد الخطيرة والمتفجّرة على مدى سنين ومن دون حدّ أدنى من تدابير الوقاية.
هذه المسؤولية المعنوية التي تتحمّلها الدولة ككلّ لا يمكن لأيّ كان التنكّر لها بينما يبقى للتحقيق تحديد المسؤوليات الشخصية والمباشرة لكل مسؤول سياسي أو إداري أو أمني او قضائي، في التعاطي مع تلك المخاطر بحدود إطلاعه وصلاحياته.
في خضمّ الخسائر في الأرواح التي لا تعوّض، وفي الأجساد ومنها الإعاقات التي لن تشفى، وفي الأرزاق التي كلّفت المليارات من دون قدرة للدولة المفلسة على تعويضها، لا يبقى لضحايا تلك الكارثة إلا الأمل بحدّ أدنى من العدالة كي لا تمرّ جريمة بهذا الحجم من دون عقاب أو محاسبة.
ولكي لا يظلم الضحايا مرّتين، يجب حماية العدالة كي لا تذهب ضحية بين من يسعى إلى عرقلة عملها تهرّباً من أي مسؤولية، ومن يريد توظيفها وإستثمارها في السياسة والإنتخابات النيابية المقبلة. فلا فرق بين من يمدّ رجله لعرقلتها وإيقاعها، وبين من يلفّ ذراعيه حولها لغمرها وخنقها، لأن الضحية واحدة في الحالين وهي العدالة والحقيقة.
لذلك وصوناً للعدالة وحماية لها ومن أجل إحقاق الحقّ، يجب ترك القضاء والمسار القانوني يأخذ مجراه بكل هدوء وروّية بعيداً من الضوضاء والإعلام والسياسة لكي يعاقب المجرم، ويجازى المقصّر أو المهمل، ويحاسب من أساء التقدير وحينها تكون العدالة قد تحقّقت فعلاً، على أن العدالة الأكبر التي يطمح اليها كل اللبنانيين، بمن فيهم ضحايا الإنفجار، هي حين يأتي اليوم الذي سينتقلون فيه أخيراً من قفص مؤسسات دولة الفشل والإستهتار والإهمال الى ربوع الدولة الراعية والحامية والقادرة.