لم يقل الشعب، او الشعوب اللبنانية، كلمته، او كلمتها حتى الآن. وعلى عكس السيرة السائدة ربما تتوجب إعادة النظر في ترتيب الأحداث لفهم حقيقة ما يجري ومن يتحدى من.
ما يحصل في لبنان منذ تشرين 2019 ليس مجرد انتفاضة او احتجاجات شعبية، وانفجار 4 آب لم يسهم في تطوير الاحتجاج الى عمل أكثر جذرية وشمولاً. وهذا ما يطرح اسئلة من نوع آخر، منها هل نحن في انتفاضة أم أن الناس اللبنانيين يواجهون ثورة مضادة تقودها قوى السلطة الفعلية، هدفها منع التغيير ووأد براعمه؟
لم يكن في ذهن المواطن مطلع خريف 2019، ان رفضه ضريبة مقترحة على الهاتف الخلوي، سيقود الى اقفال المصارف وحجز الودائع واطلاق المضاربة، وصولاً الى انهيار العملة الوطنية ومعها انهيار القدرة الشرائية الى جانب فقدان السلع وضرب القطاعات الصحية والتعليمية… وبإختصار الى إفقار عام وشامل في عملية متعمدة تحت انظار العالم ومراقبته!
لكن ذلك كان في ذهن السلطة الفعلية المهيمنة على القرار السياسي والأمني. لقد واجهت تلك السلطة تحركات عدة، في مسألة النفايات وقانون الانتخابات وتحت عناوين اجتماعية ونقابية عدة، جعلت من الشارع نقيضاً لمزرعة القيادات المذهبية، وعندما تجمعت مختلف العوامل والدوافع المذكورة في خريف 2019 استبق اصحاب القرار تحول الانتفاضة الى تيار جارف، فنسفوا الهيكل على بنيه ونظموا تهريب الاموال المستباحة وأهدروا ما تبقى في جيوب الناس، ودعّموا سلوكهم هذا باستنفار ميليشياتهم وابواقهم الطائفية لمنع الناس، ليس من المطالبة بحقوقهم، بل حتى من الدفاع عن أنفسهم.
يمكن تصنيف تفجير 4 آب 2020 كمحطة دامية في سياق سلوك تكرس في 17 تشرين. انه بمثابة قنبلة يدوية رميت على متظاهري ساحة البرلمان، لكنها قنبلة نووية رميت على عاصمة البلد.
4 آب هو المحطة الأبرز في ثورة السلطة المعادية لمواطنيها، والدليل سلوكها في مسألة التحقيق، من تهديد المحققين الى اغتيال الشهود الى التمسك بحصانات لا تساوي ورقة التوت…
بين 17 تشرين و4 آب مسار واحد لغدر واحد، والفاعل هو نفسه، ولن تستقيم الأمور قبل عزله ومحاسبته.