من «التشليح» تحت وطأة السلاح، مروراً بـ رَغي الصابون أو سكبِ الزيت في محيط عجَلات السيارة لدفعِها أمتاراً معدودة ونقلِها على بلاطة لسَرقتِها، وصولاً إلى التحايل على أنظمة الإنذار… ما عادَت مافيات سَرقة السيارات الجشعة تقف عند الخَلع والكسر، بل باتَت تتفنَّن في عملياتها نتيجة الخبرة التي كوَّنَتها في الأعوام الأخيرة، والأرباح التي جنَتها، سواءٌ في تفاوضِها مع أصحاب السيارات المسروقة، أو في المتاجرة بها بقاعاً على الحدود. وآخِر فصول تلك العصابات، ما تعَرَّضَ له أخيراً الشاب ر. ك.
لطالما كان ر. يحذر من عصابات الخطف والسرقات، فكان يتّخذ أقصى تدابير الحماية خلال تنَقّله. حتى إنّه بعدما يعود مساء إلى منزله يتأكّد من أنّ نظام الإنذار يَعمل على نحو جيّد. إلّا أنّ المفاجأة الكبرى كانت صباح اليوم التالي، حين استيقظ ر.
وتوَجّه إلى أسفل البناية، ليستقلّ سيّارته تاكوم لون أبيض، متوَجّهاً إلى عمله، فلم يَعثر عليها في المكان حيث رَكنَها. تحت تأثير الصدمة يروي ر. لـ«الجمهورية»، قائلاً: «كلّ ما في الأمر أنّني ركنتُ سيارتي وصعدتُ إلى المنزل، وكُلّي ثقة بأنّ الإنذار سُرعان ما سينطلق مع أقلّ تحَرّك، ولكنّ المؤسف أنّ السيارة «حَبّة ملح ودابت»، ببساطة اختفَت».
أكثر ما أثار الدهشة في نفس ر. «غياب أيّ أثر لمحاولة خَلع، أو كسر، أو رزاز زجاج، فيقول: «وكأنّ العصابة تملك نسخةً عن المفتاح، جاءَت وأدارت المحرّك من دون جهد أو عناء، حتى إنّ الحيّ المزروع بـ«النواطير»، لم يسَجّل أيّ حركة غير اعتيادية».
ما تعرّضَ له ر. الذي يقطن في حي مار إلياس- النقاش، لا يقلّ غرابةً عن السَرقة التي تعرّضَ لها جاد، مِن سكّان الرابية، فيَروي لـ«الجمهورية»: ركنتُ سيارتيFJ cruiser، مساء الأحد أمام المنزل، واستيقظت صباح الاثنين لأكتشف أنّها مسروقة، غريب كيف أنّ العصابات تُرَكّز على نوع محدّد من السيارات، فلا يستهويها إلّا الرباعية الدفع منها».
وعمّا إذا اتّصلَ به أحد ليفاوضَه على السعر، يجيب: «لم أتبَلّغ أيّ اتصال، ما إنْ اكتشفت أنّ سيارتي مسروقة، حتى أبلغتُ مخفرَ الدرك، ثمّ النيابة العامة في بعبدا، ومكتبَ السرقات الدولية، ثمّ النافعة، مِن أجل تحويل السيارة إلى أنقاض ورفعِ المسؤولية عنها، وحتى الآن لا أثرَ ولا علمَ أوخبَر… لا شكّ في أنّها هُرِّبت إلى سوريا أو بيعَت بالقطع».
… إلى سوريا وتركيا
في هذا الإطار، يكشف مصدر أمني لـ«الجمهورية»: «أنّ مطلع آب، (أوّل 10 أيام منه) شهدَ حركةً متقدّمة في سرقة السيارات، تحديداً في قضاء المتن، الذي سجّل معدل سرقة سيارة يوميا. تعود هذه الحركة إلى نشاط عصابتَين: عصابة مركزُها الهرمل، يتوجّه أفرادها إلى بيروت لتعَقّبِ السيارات وسرقتِها، وعصابة متمركزة في بريتال».
ويضيف: «تمَّ توقيف أحد أعضاء عصابة الهرمل، وتبيّن أنّ أفرادَها مِن أصحاب السوابق، ومعظمُهم «خرّيجين حبوسة». لكنّ عصابة بريتال، لم يتمّ الإيقاع بها بعد رغمَ الكمائن المنصوبة لها في الطرُق الجردية، ولكن يوم الثلثاء المنصرم وقعَ إشتباك مسَلّح معها، وقد ترَكت العصابة على أثره السيارة وهربَت».
إلى جانب الحرَفية التي تتوخّاها في عملياتها، رَكّزَت المافيات خلال السنوات الأخيرة على عامل الامتداد والتوسّع كالأخطبوط، كجزءٍ مِن ضمان حركة بَيع وشراء لمسروقاتها، بصَرف النظر عن الأوضاع الأمنية والمعارك الدائرة، التي قد تبَطئ تحَرّكَها، لذا تخَلّت عن المركزية وتوسّعَت إقليمياً. في ضوء تعَقّب الأجهزة الأمنية للسيارات المجهّزة بـ GPS (جهاز تحديد المواقع العالمي)، يتوقّف المصدر الامني عند مصير السيارات المسروقة، قائلاً: «99 في المئة من السيارات المسروقة تُنقَل إلى سوريا. نتيجة التقصّي الذي نقوم به، وما حدثَ معنا منذ مدّة وجيزة يؤكّد لنا الامتدادَ الواسع الذي تتوخّاه العصابات.
فقد أبلغَنا أحد المواطنين عن سَرقة سيارته قرابة الفجر، وعند السادسة والنصف صباحاً تبيّنَ لنا بعد مراجعة GPS، أنّها دخلت الأراضي السورية». ويضيف المصدر: «كذلك مطلعَ الأسبوع الجاري تَمكّنّا من استرجاع سيارة أوقِفَت في تركيا، تعود لسيّدة أبلغت عن سرقة سيارتها منذ 6 أشهر في لبنان».
لا للتفاوض…
في موازاة الأرباح الطائلة التي جَنتها العصابات نتيجة ابتزازها المواطنين، يحَذّر المصدر الأمني من مغَبّة مفاوضة تلك العصابات، قائلاً: «نحن لا نشَجّع مبدأ التفاوض في سَرقة السيارات، لأسباب كثيرة، أبرزُها أنّ مَن يفاوض يُعَرّض حياته للخطر، نَظراً لاستدراجه إلى ملعب العصابات واتّجاهه إلى المنطقة التي يتمّ تحديدها له.».
ويضيف: «كذلك لا تخلو عمليات التفاوض من إطلاق النار، ما يعَرّض حياة المواطن والآمِنين للموت، وأحياناً قد تفشَل العملية نتيجة المراوغة والمراوحة التي تتعامل بها العصابات مع أصحاب السيارات المسروقة»، مشيراً إلى «أنّ المفاوضة تشَجّع السَرقة، والمكاسب المادية تُثير طمعَ المافيات».
التحايل على نظام الإنذار
عاملٌ مشترَك يَجمع معظم السيارات التي تمَّ الإبلاغ عن سرقتِها في الآونة الأخيرة، وهو أنّها مجهّزة بأنظمة إنذار حماية من السَرقة. مِن المعلوم أنّ الشركات المصَنّعة للسيارات، تطَوّر على نحو متلاحق أنظمةَ الحماية في سياراتها، وتُخضِعها لتحديث مستمرّ تحَسّباً لأيّ خَرق من المافيات. «إلّا أنّ هذا ليس بالرادع الكافي»، على حدّ تعبير إيلي مخايل معوّض الخبير في صناعة المفاتيح وتركيب أنظمة أمان منذ 40 عاماً.
ويوضح لـ«الجمهورية»: «للعصابات المتخصّصة بسرقة السيارات أباً عن جد معَدّاتٌ وأجهزة تعمل على تطويرها في مشاغِلها الخاصة، بهدف التحايل على أنظمةِ الحماية، تعمل على تفكيك أجهزة الأمان بَحثاً عن ثغرات يمكن اختراقُها واستثمارُها في عملياتها»، مشيراً إلى «أنّ القليل من الخبرة الميكانيكية والإلكترونية قد يكفي».
ويَلفت معوّض إلى أنّ مافيات السرقة طوَّرَت نفسَها، وأثقلَت مهاراتها مواكبةُ الشركات في تطوير أنظمة الحماية لديها، فيقول: «منذ بروز نظام immobilizer الذي يَمنع تشغيل السيارة إلّا عبر مفتاحها الخاص، تفاعلَت العصابات وباتت تحَدّد خطّتَها، وفقاً لمجموعة من العوامل، وفقاً للتحديثات التي أدخِلت تباعاً على هذا النظام، وفقاً للثغرات الأمنية في النظام، وفقاً لموديل السيارة المستهدفة تختار خطّتَها».
ويضيف: «لذا نجد أنّ أصحاب السيارات ذات الموديل 2010 والأحدث، يتعرّضون للنشل بهدف الحصول على المفتاح مباشرةً والتمكّن من التحكّم بالسيارة، أمّا بالنسبة للموديلات الأقدم، فتلوذ العصابات بمعدّات منها anti-scanner، فيقف السارق جانب السيارة ويشَغّل القطعة بين يدَيه، فتُصدِر موجات تطال موجات نظام الإنذار الخاص بالسيارة، فيَحلُّها، ولا يعود مِن دورٍ للإنذار المركّب، يَخلع الباب، ثمّ المقوَد، ويشَغّل السيارة كأنّه يملك مفتاحها، فالعصابات تعرف الأشرطة لون لون وشريط شريط، وكأنّها هي مَن تُرَكّب أنظمة الإنذارات».
في الختام، يبقى هاجس اللبنانيين أن ينتهي لهيب آب، ولا ينتهي لهيب السرقات… والخطف.