Site icon IMLebanon

قمّة آب: تطويق الأطلسي وترتيبات التسوية السورية

الرواية الروسية: بوتين و«الفايس تايم» ينقذان أردوغان من براثن الانقلاب!

قمّة آب: تطويق الأطلسي وترتيبات التسوية السورية

سيّد الكرملين سارع إلى نقل المعلومات عن «أنجرليك» والمفاجأة منعت الانقلابيين من استهداف طائرة الرئيس التركي في الجو

هل أَنقذ الروس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من الانقلاب العسكري الذي أُعدّ للإطاحة به وبحكم حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي؟

تقول الرواية الروسية، نقلاً عن مطّلعبن على دائرة القرار الضيّقة في الكرملين، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أُبلغ على عجل، بينما كان إلى مأدبة عشاء، بأن ثمّة حركة مُريبة تجري داخل قاعدة «أنجرليك» العسكرية التركية التي تتخذ منها القوات الأميركية، التي تقود التحالف الدولي، مقراً لها في عملياتها ضد تنظيم «داعش»، الأمر الذي دفع ببوتين إلى الاتصال مباشرة بأردوغان وسؤاله عن مكان تواجده ليُخبره بتلك الحركة المُريبة التي شكّلت، وفق هؤلاء، المُسبّب الرئيسي في إفشال حركة الانقلاب.

وفي تفاصيل تلك الرواية، أن قاعدة «أنجرليك» تخضع للمراقبة الحثيثة للأقمار الاصطناعية الروسية بفعل وجود قنابل نووية من نوع «ب - 61»، وهذه المراقبة تشكّل جزءاً من الإجراءات العسكرية الروسية لمعظم المواقع النووية في مناطق حيوية تؤثر على أمنها، وهي مسألة تبدو أكثر من طبيعية مع وجود القوات الروسية في سوريا وانخراطها في النزاع الدائر في المنطقة.

ما وصل بوتين من معلومات مباشرة عبر الخط الأحمر الموصول مع قيادة العمليات الروسية يفيد بأن الكهرباء انقطعت بشكل مفاجئ عن «القاعدة»، وأن هناك حركة طيران غير مفهومة، وتحركات «مشبوهة» تجري في تلك القاعدة تثير القلق، فما كان من الرئيس الروسي إلا أن اتصل بنظيره التركي وأبلغه بما لديه من معلومات.

وتضيف الرواية أن أردوغان أبلغ بوتين بوجوده في جزيرة «مرمريس»، وهو التقط سريعاً إشارة ما يُعدّ، فما كان منه إلا أن غادر الفندق قبل أن يتعرّض للقصف المباشر مِن قِـبَـل القيّمين على الانقلاب.

على أن النقطة التي لا تزال غامضة بانتظار اكتمال صورة المعطيات لدى الروس هي: لماذا لم يتم استهداف طائرة أردوغان أثناء وجودها في الجو؟ ذلك أن الأقمار الاصطناعية الروسية رصدت حواراً لاسلكياً كان يجري بين طائرتين حربيتين من نوع «فانتوم» ترافقان طائرة أردوغان المَدَنية، وطائرتين حربيتين تعودان «للانقلابيين». وفي التقديرات غير المؤكدة بعد، أن السبب في منع اعتراض طائرة أردوغان يعود إلى الإرباك الذي حصل بفعل عامل المفاجأة من وجود طائرتي «الفانتوم» المرافقتين لأردوغان وتحذيرات بإمكان اشتباك جوي بين الجانبين، وهو ما أمّن وصول الرئيس التركي سالماً إلى اسطنبول ليقود بعدها عملية مواجهة الانقلاب، من خلال ظهوره مباشرة عبر تطبيق «فايس تايم» الموجود في هواتف «الآي فون» في اتصال مع إحدى القنوات التركية الخاصة، ودعوته المواطنين للنزول إلى الشارع، حيث شكّلت تلك المكالمة الهاتفية المرئية لأردوغان نقطة التحوّل في عملية إفشال الانقلاب.

وما يُعزّز الرواية الروسية - برأي المطلعين - السرعة في إعداد قمّة روسية – تركية بين بوتين وأردوغان مطلع آب المقبل، حيث يرى هؤلاء أن هذه القمة ستشكّل إشارة دعم من بوتين للرئيس التركي، وهي من شأنها أن تعزز مسار العلاقة بين موسكو وأنقرة في ما يتعلق بالكثير من الملفات المشتعلة في المنطقة والقضايا المشتركة. وهم يعزون الاندفاعة الروسية  إلى تدهور العلاقة بين أردوغان وواشنطن المتهمة بوقوفها وراء الخصم القوي للرئيس التركي الداعية فتح الله غولن، والشكوك حول «دور ما» لعبته في هذا الانقلاب.

فسيّد الكرملين الذي يواجه عملية تطويق «حلف الأطلسي» لبلاده ومناطق نفوذها عبر البلطيق وأوروبا الشرقية سيوظّف اهتزاز الجبهة الجنوبية، بفعل تدهور العلاقة التركية – الأميركية وانعكاسها على الحلف الذي تشكل تركيا أحد أعضائه، لمصلحته في مواجهة «حلف الناتو» في الحدائق الخلفية لروسيا.

ورغم الرهان على إيجابيات تطوّر العلاقة التركية – الروسية، فإن المتابعين لمجرى السياسة الروسية لا يبالغون بمدى التحولات الاستراتيجية التي قد تحدث بين الرجلين والبلدين، وإن كانوا يرون أنها ستسهم في توحيد الرؤية في سبل معالجة بعض الملفات، وفي مقدمها الملف السوري مع تحوّل العلاقة من حالة تحريض على الدور التركي إلى حالة احتقان ومنها إلى تعاون يمكن البناء عليه مستقبلاً، ولا سيما أن الموقفين الروسي والتركي يلتقيان على رفض الكيانات المستقلة، عن منطق الدولة المركزية. فرغم وقوف موسكو مع حق أكراد سوريا بالحصول على حقوقهم، إلا أنهم يدعمون هذا التوجه من ضمن الدولة المركزية، في مقابل تشجيع واشنطن لمنطق مناطق الحكم الذاتي وصولاً إلى الكلام عن خطط تحقيق الدولة الكردية التي تجمع بين أكراد العراق وسوريا وتركيا وإيران. فالموقف الأميركي من الأكراد في سوريا يشكل نقطة الخلاف الجوهرية بين أنقرة وواشنطن، والذي آل لاحقاً، إضافة إلى عوامل عدة، إلى إعادة وصل ما انقطع مع موسكو على خلفية إسقاط الطائرة الروسية على الحدود التركية.

فحلم الدولة الكردية، سواء أكان مشروعاً قابلاً للتحقيق أم الانتحار، بدأ يتعزز مع تمدّد الاضطرابات لتشمل مناطق تواجد الأكراد في إيران في مواجهات ارتفعت وتيرتها مع السلطات الإيرانية مؤخراً، وهو من العوامل التي تدفع طهران إلى اعتبار أن زعزعة الوضع في تركيا وإضعافها سيكون لها تداعيات كبرى على المنطقة لن تكون بمنأى عنها.

هذه القراءة تدفع إلى الاعتقاد بأن رهان البعض على الإفادة من انشغال تركيا بوضعها الداخلي لتمرير التسوية في سوريا بمعزل عنها، ليس بالرهان الدقيق، ذلك أن لا مصلحة لخصوم الأمس في تعطيل هذا الدور في الملف الإقليمي، وإن كانت الجغرافيا السياسية لتركيا تجعل هذا الرهان، إن وجد، غير ممكن التطبيق!