سينتظر العماد ميشال عون حتى مطلع أيلول ليقرّر بنحو حاسم أيَّ منعطف سيَسلك. وعلى الرغم من أنّ مواقف «التيار الوطني الحر» بدأت تتّسم بشيء من «التحمية»، إلّا أنّ القرار النهائي للسياسة الجديدة متروك للأسابيع اللاحقة.
على رغم الإشارات السلبية التي ظهرَت حيال إمكانية تبنّي تيار «المستقبل» ترشيحَ عون، إلّا أنّ لهذا الانتظار أسبابه. فخلال المفاوضات التي دارت في الكواليس خصوصاً بين الوزير جبران باسيل ونادر الحريري والتي لم يكن بعيداً عنها الوزير نهاد المشنوق، قيل قبَيل جلسة 8 آب الشهيرة والتي دار حولها لغطٌ كبير، إنّ الرئيس سعد الحريري يَعتزم السفر إلى الخارج لمدّة شهر للقاء مسؤولين سعوديين كبار برفقة السفير السعودي في لبنان علي عواض العسيري وسيَعمل بمساعدته على تدوير الزوايا وإزالة «الفيتو» السعودي الموجود.
لكنّ المؤشرات السلبية كانت تظهر تباعاً:
ـ مواقف رئيس مجلس النواب نبيه بري المتصلّبة رغم إغراءات ملفّ النفط، والأهمّ أنّه كثير التشاور والتنسيق في الكواليس مع الحريري.
– تراجُع حماسة النائب وليد جنبلاط إلى درجة أنّه عاد إلى المربّع الأوّل، وهو الذي يشكّل بدوره الزاوية الثالثة في مثلّث التنسيق مع بري والحريري.
– إستمرار الرئيس فؤاد السنيورة على مواقفه الجامدة والرافضة.
– طرحُ النقاش على أعضاء كتلة «المستقبل» النيابية من دون التمهيد المسبَق لذلك، ما يعني أنّه في ذلك إمّا خطأ أو تهوُّر أو لا مبالاة، أو أنّ الخطوة مقصودة بهذا الشكل لإيجاد مخرج وإطار لإجهاض الفكرة برُمّتها.
– وقد يكون المؤشّر الأهمّ الإعلان عن انتهاء خدمة السفير عسيري في لبنان رغم أنّه كان يشغل موقعه بحكم التمديد بعدما انتهت مدّته القانونية. لكنّ عسيري والذي سيعود إلى لبنان لفترة قصيرة جداً قبل أن يقفل عائداً إلى بلاده سيُحال على التقاعد بحكم عمرِه. وقيل إنّ مهمّته بالتواصل مع عون ومِن خلال الوزير باسيل كانت للتأكيد أن ليس للسعودية علاقة بالملف الرئاسي، وهذا ما يعني أنّ ما كان يأمله عون من زيارة مشتركة للحريري والعسيري بات صعباً.
رغم ذلك هو يريد الالتزام بكلّ ما جرى طرحه في الكواليس والانتظار حتى مطلع أيلول قبل انتهاج سلوك سياسي جديد سيكون حادّاً على الأرجح وأفُقه مفتوح على كلّ الاحتمالات.
لكنّ نادر الحريري الموجود في باريس خلال هذه الفترة يبدو متشائماً على الرغم من أنّه معروف بقلّة كلامه. فهو ردّد أمام بعض أصدقائه أنّ السعودية متصلّبة جداً في قرارها برفضِ خيار عون لرئاسة الجمهورية، مضيفاً أنّه يستبعد جنوح زعيم «التيار الوطني الحر» إلى الاستقالة من الحكومة لأن لا مصلحة لديه ولدى وزرائه بذلك، أضِف الى ذلك أنّ حزب الله ملتزم الاستقرارَ الحكومي.
في المقابل لا يبدو عون كمن يَخدع نفسَه، والسبت الماضي وحين كان الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله يجدّد التزام الحزب قرارَ ترشيحه ويبدي مرونةً واضحة في الموافقة على عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة في حال وصول عون إلى قصر بعبدا، كان الأخير يمضي عطلة نهاية الأسبوع في ضيافة العميد شامل روكز في اللقلوق، وبدا الجنرال وكأنّه يحضّر نفسه لكلّ الاحتمالات، شارحاً أنّ الميثاقية باتت في خطر، وهي التي تشكّل مظلّة النظام السياسي اللبناني، ليأتي بعدها بالتدرّج الدستور وثمّ القوانين.
بالتأكيد، إشارة عون لم تأتِ من لا شيء، قد يكون يتحدّث عن الإطار الذي باشَر برسمه حول المرحلة المقبلة. هو يقوم ربّما بتحضير أسلحته وتجهيزها في انتظار ساعة الصفر والتي يَبعد عنها بضعة أسابيع، يفكّر ربّما برفض الانتخابات النيابية في حال عدمِ إقرار قانون جديد لها. وهذا الرفض سيكون مقروناً بخطة تَحرّك واسعة على قاعدة صحّة التمثيل واسترداد المسيحيين لحقوقهم.
وجاء من يقول إنّه ليس مِن السهل على أيّ فريق سياسي السير جدّياً وفعلياً وحقيقةً بترشيح عون، لذلك فإنّه ليس لأحد مصلحة بوصوله. وتابَع قائلاً: «مثلاً في الجلسة الأخيرة التي عَقدها رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع مع الإعلاميين القريبين منه، سأله أحد الصحافيين المحسوبين على تيار «المستقبل» باستهجان كيف سارَ بخَيار عون؟
فأجاب: وهل أنا أختار بين مروحة واسعة؟ أنا أختار بين سليمان فرنجية وميشال عون، لذلك فضّلتُ الأخير». وحين استطرَد الإعلامي نفسُه سائلاً عن التفاؤل الذي يبديه عون، أجاب جعجع: العماد عون منذ العام 1988 يقول إذا مِش الإثنين الخميس»
وانتظرَ راوي الحادثة تعليقاً لعون الذي اكتفى بالقول: «أنا أخوض آخرَ معاركِ المسيحيين لاسترداد حقوقهم، وسأستمرّ فيها عن اقتناع والتزام حتى آخِر رمق من حياتي. لقد قاتلتُ وناضلت لأؤمّن للمسيحيين، ومن خلالهم للبنان، الأمنَ والأمان، خصوصاً في المرحلة التي بدأت عام 2005 رغم كلّ الهجمات التي تعرّضت لها.
وكنتُ أغضب ثلاث مرّات؛ الأولى حين كنتُ أنبِّه مِن الخطر مسبَقاً دون أن يسمعني أحد، والثانية حين نصبح في قلب المعركة وأخوضها وحيداً، والثالثة حين تظهَر النتائج السلبية للمسألة ويبدأ الآخرون بالقول: «كان معك حقّ جنرال، لكنّ الوقت فاتَ، وفي الثالثة أكون أكثرَ غضَباً».
تبقى الإشارة إلى أنّ تعليق عون هذا جاء إثر توقُّع أحدِهم أن يجري فرضُ تسوية كبرى على لبنان في الربيع المقبل بالتزامن مع فرضِ تسوية للحرب الدائرة في سوريا.