IMLebanon

هل تُسهّل أستراليا هجرة اللبنانيين إليها؟

 

بعض مكاتب الهجرة يغشّ اللبنانيين

 

ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي في الفترة الاخيرة، بخبر تسهيل “الهجرة الإنسانية” الى استراليا، ما جعل اللبنانيين يتعلّقون “بحبال الهوا”، ظنّاً منهم أنهم بسحر ساحر يمكن أن يناموا ليلاً في بيروت ويستيقظون بعد 24 ساعة في استراليا، فوقعوا ضحية عمليات الغش من قبل بعض مكاتب الهجرة. فهل تسهّل استراليا فعلاً هجرة اللبنانيين اليها؟

 

وقعت رانيا، على إعلان على مواقع التواصل الاجتماعي يتمحور حول فتح استراليا باب “الهجرة الانسانية نظراً للظروف الإقتصادية والمعيشية التي يمر بها لبنان”… ومنذ ذلك الحين تحوّل هذا الموضوع شغلها الشاغل، تبحث عن كل ما له صلة به، آملةً ان تتمكن من مغادرة لبنان الى بلد مستقر، لها ولعائلتها، ولحماية اولادها من كل المشاكل الاجتماعية والسياسية والنفسية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد. ولعل الفيديو الذي شاهدته على “يوتيوب” تحت عنوان “اسهل فيزا للهجرة الى استراليا، فيزا 491 المثيرة للجدل… مزايا المناطق الريجونال في استراليا”، عزز آمالها، كذلك فعل المقال المنشور على موقع “austliaininarabic” تحت عنوان “الطريقة الصحيحة لطلب اللجوء الى استراليا”. بحث افتراضي، حفز رغبة رانيا بالهجرة، ما دفعها الى الإتصال هاتفياً بأحد مكاتب الهجرة في البقاع للحصول على المساعدة.

 

“عصابات” الهجرة

 

خلاصة الاستشارة الاولى كانت على الشكل التالي: “يتطلب اللجوء الانساني تعبئة بعض الاستمارات وتقديم الأوراق الموجودة في مكتبنا… وكل المطلوب هو تقديم اوراق ثبوتية وصور شمسية لكل فرد من أفراد العائلة (4 اشخاص) بالاضافة الى عقد الزواج”. وبعد الاستفسار أكثر وأكثر مع المكتب عينه، واذا كان يمكن ان تستفيد رانيا من شهادتها الجامعية لتسهيل هجرتها، جاءها الرد “مدام، اذا كنت تريدين أن تقدمي طلبك وفقاً لشهادتك، فهذا ممكن، وهذه خطوة جيدة تخولك الهجرة الى كندا أيضاً، ولكن عندها يتوجب عليك تقديم طلب منفرد من دون افراد عائلتك. وبعد مدّة اقصاها 6 أشهر، يتم قبول طلبك، وبعد توجهك الى الاراضي الكندية وحصولك على اقامة العمل، يمكن لعائلتك حينها الانضمام اليك. وهذا المشروع يكلفك مبلغ قدره 1000$، يمكن دفعه بالدولار أو بالليرة اللبنانية وفق سعر الصرف اليومي في السوق السوداء. أمّا بالنسبة الى استراليا، فالخطوات أسهل، ونسبة قبول الطلبات مرتفعة جدّاً، وتسمح لك السلطات الاسترالية بالتقدم بالطلب لكل العائلة في إطار برنامج “الهجرة الانسانية”، وتكلفة هذا المشروع تختلف بحسب عدد الأشخاص”. وأردفت موظفة المكتب قائلةً “انتم 4، هذا يعني دفع مليون ونصف المليون عاللبناني”. وبالفعل كانت رانيا مقبلة على دفع المستحقات المتوجبة عليها للمكتب، آملةً أن تستقبلها استراليا ضمن برنامجها المخصص للهجرة الانسانية، قبل أن ينصحها احد اقاربها بالتأني والبحث اكثر عن الموضوع… وخيراً فعلت بفرملة حماستها.

 

معايير الهجرة الانسانية

 

مئات الاشخاص وقعوا ضحية مثل هذه المكاتب، التي تستغل يأس اللبنانيين بالهروب من وطنهم. على الأثر، استفسرنا من الجهات المعنية للتأكد من معلومات المكتب، تحاشياً من وقوع اي شخص آخر ضحية هذه الألاعيب. فما هي الهجرة الانسانية؟ وهل يتطابق الوضع المعيشي الصعب في لبنان مع معايير هذا النوع من الهجرة؟ مصادر مطلعة في دوائر الهجرة الأسترالية شرحت لنا معنى “الهجرة الانسانية”، قائلةً: “صحيح أنّ لبنان يعاني من اوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة، وباب سفاراتنا مفتوح أمام الجميع، ولكن هذا الموضوع ليس بالسهولة التي تشير اليها مكاتب الهجرة في لبنان، فالعملية معقدة، تتطلب الكثير من المعلومات والمستندات وهذا يكلف الشخص مبلغاً مالياً لا بأس به بالدولار حصراً. ويمكن القول إنّ بث اخبار كهذه لا يخدم سوى عمليات الغش التي وقع ضحيتها اللبنانيون في الاشهر الماضية”.

 

ننتقل الى برنامج “الهجرة الانسانية” واللجوء. على أي اساس يمكن للبناني أن يستفيد منهما؟ وما هي معايير الحصول على كل منهما. يجيب المصدر “بالنسبة لبرنامج “الهجرة الانسانية”، يمكن أن يستفيد منه الأشخاص الذين يتواجدون خارج وطنهم الأم والذين يتعرّضون للتمييز الجوهري إلى حد يعتبر انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى أفراد العائلة المباشرين الذين نالوا الحماية في أستراليا. ويجب أن تحظى الطلبات لدخول أستراليا بموجب البرنامج الإنساني الخاص بدعم من مواطن أسترالي أو منظمة تتّخذ من أستراليا مقراً لها، مع الاشارة الى أنّ طلبات الهجرة الإنسانية (التي تتطلب وجود كفيل) تقدّم في دائرة الهجرة ولاية ملبورن- أستراليا. في المقابل، لا يوجد فرق كبير بين معايير الهجرة الانسانية واللجوء الذي يمكن أن يستفيد منه الاشخاص الذين يتعرّضون للإضطهاد في بلدهم الأم والذين يتواجدون عادةً خارجه ويحتاجون إلى إعادة التوطين. وغالبية مقدّمي الطلبات الذين يندرجون ضمن هذه الفئة هم الذين تحيل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين طلباتهم لإعادة التوطين في أستراليا. وتتفرع من فئة اللجوء تأشيرات عدة، كالتأشيرة الإنسانية الخاصة داخل البلد، وتأشيرة الإنقاذ في حالات الطوارئ، وتلك الممنوحة للنساء المعرّضات للخطر”. باختصار، لا يلعب الوضع الاقتصادي اي دور في هذا الموضوع، لا سيما انه لا توجد حالة حرب معلنة في لبنان، وإنّ مثل هكذا تأشيرات تُعطى غالباً للمواطنين في الدول التي تشهد نزاعات مسلّحة واضطهادات فقط، ولا تشمل ضحايا الأزمات الإقتصادية مطلقاً. وبشكل عام، تحتاج طلبات الهجرة الانسانية واللجوء أقله الى فترة 14 شهراً قبل قبولها، مع العلم أن هناك بطئاً كبيراً تشهده دوائر الهجرة الأسترالية سببه مواجهة أزمة انتشار وباء كورونا. بدورها، نفت السفارة الأسترالية في بيروت الأخبار المتعلّقة ببرامج الهجرة التي تروّج لها بعض المكاتب وأكدت أنها عارية عن الصحة.

 

معلومات رسمية للسفر الى استراليا وكندا

 

نعود الى المعلومات التي جاءت على لسان مكتب الهجرة الذي استشارته رانيا، والمتعلّقة بكيفية الهجرة الى كندا واستراليا، ونطلب من المصادر المعنية، تفنيدها واطلاعنا عما اذا كانت منطقية. مصادر مختصة في شؤون الهجرة الى كندا، اكدّت لنا “أنّ كل المعلومات الواردة غير دقيقة نهائياً، لا بالنسبة الى مدة الـ6 أشهر بالنسبة الى اقامة العمل، ولا بالنسبة للمال المتوجب دفعه، وكما أنّ معلومة منع رانيا من اصطحاب عائلتها غير صحيحة أبداً”. من جهة أخرى، سخرت المصادر المطلعة في دوائر الهجرة الأسترالية من “نسبة القبول المرتفعة التي اشار اليها المكتب”، موضحةً أنّ “كل طلب يدرس على حدة، ويتم التدقيق اذا كانت تفاصيله متطابقة مع المعايير المطلوبة للحصول على اي نوع من التأشيرات. كذلك، اقول للبنانيين، إنّ كل سفارات العالم، لديها عدد معين من طلبات الهجرة التي يمكن قبولها، وهذا يعني انّه لن يتمكن كل من يرغب بالهجرة من تحقيق أمنيته، كما أنّ مسار الهجرة طويل جدّاً، لا يحصل بين ليلة وضحاها”. ونصح المصدران، الكندي والاسترالي، اللبنانيين بالابتعاد عن المكاتب، والاعتماد دائماً على موقع السفارة الرسمي. يمكن الإطلاع على أنواع تأشيرات الهجرة إلى أستراليا عبر الرابط الآتي:” https://immi.homeaffairs.gov.au/visas/getting-a-visa/visa-listing”، وكندا عبر “Www.cic.gc.ca”.

 

بيان من السفارة الاسترالية

 

لم تعد السفارة الأسترالية في بيروت تتلقى استفسارات هاتفية عن مسائل تتصل بالهجرة أو بالتأشيرات. للمزيد من المعلومات حول التأشيرات والجنسية والهجرة، يرجى زيارة موقع «www.homeaffairs.gov.au» أو الرابط الخاص بالتأشيرات والهجرة والجنسية على الموقع. ويمكن الإتصال بمركز طلبات التأشيرات على الرقم 301 313 233 20+ (تنطبق رسوم الاتصالات الدولية) لطرح استفسارات عامة قبل إيداع الطلب. كما يمكنكم مراسلة قسم التأشيرات على عنوان البريد الإلكتروني»[email protected]». ستتلقون رداً آليّاً على رسالتكم الإلكترونية. نرجو منكم قراءته بتمعّن. لن تتلقوا ردّاً آخر إن أجابت المعلومات المتضمّنة في هذا الرد الآلي على استفساركم.

 

اللبنانيون في استراليا

 

43.764 شخصاً غادروا لبنان عبر مطار بيروت الدولي، في خلال فترة لا تتعدّى 12 يوماً، بعد انفجار «4 آب» بحسب «الدولية للمعلومات». ويقول الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، إنّ «هذه الارقام لا تعني أن السفارات تسهل موضوع الهجرة، كلها اخبار كاذبة، ويمكن القول إنّ رغبة اللبنانيين بالهجرة موجودة انما تنفيذ رغبتهم ليس أمراً سهلاً». وأشار شمس الدين الى أنّ «عدد الجالية اللبنانية في استراليا تقدر بنحو 353 ألف نسمة». من جهة أخرى، ينتشر اللبنانيون في استراليا، بمعظمهم في مدينة سيدني وضواحيها وهي العاصمة الاقتصادية إضافة إلى تمركزهم في مدينة ملبورن. تأخذ الهجرة إلى أستراليا صفة انتقال أسر وعائلات وانحصرت الهجرة في البداية بأبناء الطائفة المارونية من الشمال، الذين ما زالوا يشكلون نسبة لا بأس بها من الجالية اللبنانية ويليهم عدد من أبناء الطائفة السنية من الشمال وأكثرهم من الريف والأحياء الصغيرة في طرابلس وضواحيها. أما الهجرة الجنوبية الشيعية الكثيفة فكانت الأخيرة وبرزت بعد حرب السنتين عقب عمليات التهجير التي أصابت المناطق الشيعية ثم تلتها دفعة ثانية في خلال العامين 1977 و1978 من مناطق الجنوب اللبناني وبخاصة من قرى وبلدات الشريط الحدودي مثل بنت جبيل، يارون، عيترون، ميس الجبل ومارون الراس.