مشاورات التأليف تدور في حلقة مفرغة وتزيد من عبء المشاكل الإقتصادية والمالية
الفريق العوني يتخبّط في مأزق إستقالة الحكومة لعجزه عن تأمين البديل للحريري
«يرفض الرئيس الحريري بالمطلق الإنصياع لكل أشكال الحكومات التي لا تُلبّي متطلبات المرحلة المقبلة والحَراك في الشارع»
يعبّر رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل والفريق الرئاسي في بعبدا عموماً عن ضيقهم الشديد من عزوف الرئيس سعد الحريري عن القبول بتولي رئاسة الحكومة المقبلة ويترجمون هذا الضيق بسلسلة من الحملات والمواقف والانتقادات المباشرة وغير المباشرة، تارة من خلال ما يقوله وزراء ونواب التيار أو ما يصدر عن محطة «OTV» التلفزيونية وتارة أخرى عبر تسريب معلومات لمصادر قريبة للتيار إلى وسائل الإعلام على اختلافها، وكل هذه المواقف والحملات التي تصدر في معظمها هذا العزوف بمثابة هروب من تحمل المسؤولية حيناً، في حين تذهب أصوات أخرى إلى ربط استقالة الحكومة بايحاءات خارجية وصولاً إلى إلصاق تهم الفساد بمقربين من رئيس حكومة تصريف الأعمال وتشويه صورة كل من تحمل المسؤولية طوال الثلاثين سنة الماضية، أي الفريق الذي كان مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
اما لماذا هذا الضيق العوني الذي بلغ حدود الاحباط بعد ساعات من إعلان الرئيس الحريري استقالة الحكومة قبل ما يناهز الشهر؟ لأن الفريق العوني بكامله لم يكن يحسب ان الرئيس الحريري يُمكن ان يقدم على تقديم استقالة الحكومة في هذا الظرف بالذات لأن ما استند إليه في كتاب استقالته ولا سيما ما يتعلق بضغط ومطالب المعتصمين والمتظاهرين لا يُبرّر هذه الخطوة من وجهة نظرهم ولا تستوجب خطوة على هذا المستوى باعتبار ان حراك الشارع محدود ويمكن استيعابه في نهاية المطاف بأقل قدر من التنازلات الشكلية المحدودة والوعود الطويلة الأمد من جهة، ولان الرئيس الحريري مرتبط بالتزامات وتعهدات دولية وعربية فيما يخص مؤتمر «سيدر» وغيره من جهة ثانية، وبالتالي لا يمكنه التملص من هذه التعهدات هكذا والاستقالة، في حين انه تعرض لمشاكل وضغوطات وكمائن سياسية أكثر حدة طوال السنوات الماضية ولم يُبادر حتى إلى التلويح بالاستقالة، وعادت بعدها مسيرة العمل الحكومي إلى الانتظام ولو بتعرج في احيان عديدة.
ويلاحظ انه بعد وقع مفاجأة استقالة حكومة الرئيس الحريري على الفريق العوني وحلفائه من «حزب الله» وحركة «أمل» بالرغم من التهديدات المباشرة التي الحقها الأمين العام للحزب مباشرة لمنع حصول هذه الاستقالة، وجد هذا الفريق نفسه في ورطة وتخبط وضياع، لم تفلح كل المحاولات التي يبذلها لاستقطاب أو اغراء أي شخصية سياسية سنية في قبول مهمة ترؤس الحكومة الجديدة لتجاوز مشكلة الاستقالة والانتقال إلى عملية تشكيل الحكومة العتيدة فعلياً، لأن معظم الذين شملتهم هذه المحاولة يفتقر إلى الحد الادني من الحيثية السياسية والشعبية والتغطية المطلوبة من أركان السنة لضمان استمراره في تولي الرئاسة الثالثة والقيام بالمهمات المنوطة به قد انكفأ وغادر منذ البداية، في حين رفض الوزير السابق بهيج طبارة بكل جرأة القبول بترؤس حكومة يفرض اعضاؤها عليه فرضاً وتكون امرتها للتيار الوطني الحر وحلفائه ولا تتلاءم مع مطالب حراك الشارع ومتطلبات عملية الانقاذ الاقتصادي والمالي في هذه المرحلة الصعبة والمعقدة التي يمر بها لبنان.
وتبين انه منذ استقالة الرئيس الحريري قبل شهر تقريباً، تركزت محاولات رئيس «التيار الوطني الحر» وفريقه على خيارين، الأوّل محاولة استنساخ الحكومة المستقيلة في حال قبول الرئيس سعد الحريري ترؤس هذه الحكومة وبالطبع مع بعض التعديلات الشكلية ولكن مع المحافظة على المضمون الأساسي، أي تمثيل الأطراف المشاركة وتوزيع الحصص والحقائب بما يؤمن السيطرة السياسية شبه الكاملة على سياسة وقرارات الحكومة المستقيلة ومنع اي خلل في التوازنات السياسية التي تتحكم فيها وهو ما يمكن ان يُطلق عليها تشبّهاً بحكومة «المطرقة والسندان» أي إبقاء وضعية الرئيس الحريري محاصراً من قبل التي تشكّل الأكثرية في هذه الحكومة، كما في الحكومة السابقة لأجل المحافظة على مصالح وتأثيرات هذه القوى ولا سيما فيما يتعلق بالقرارات السياسية المؤثرة والخطط والإجراءات المطلوبة للانقاذ المالي والاقتصادي بعد ان استفحلت الأوضاع نحو الأسوأ وسياسات لبنان تجاه أشقائه ومع الخارج.
ولا شك ان مثل هذا النموذج للحكومات الذي أثبت فشله الذريع باعتماده في الحكومة السابقة وما قبلها، لم يكن ليقبله الرئيس الحريري على الإطلاق لأنه عانى منه الأمرين وتحمل ما لم يتحمله أي رئيس حكومة سابق أو أي مسؤول سياسي آخر، في محطات واستحقاقات مهمة مرّت على الحكومة السابقة تحديداً عندما كانت العصي توضع في مسيرة الحكومة تارة من الوزير جبران باسيل وفريقه السياسي إن كان من خلال إثارة مسألة إعادة التطبيع مع النظام السوري مثلاً أو التفرد بسياسة معادية للأشقاء العرب أو تعطيل متعمد لخطط وقرارات حكومية وما شابه وهو ما يُشكّل خروجاً عن سياسة النأي بالنفس الواردة في البيان الوزاري أو تعطيل جلسات الحكومة عمداً كما حصل اثر احداث «قبرشمون» المؤسفة من جهة أو جعل لبنان منصة لاستهداف الدول العربية كما فعل «حزب الله» في العديد من المناسبات.
وإزاء رفض الرئيس الحريري المطلق الانصياع لهذا الشكل من الحكومات التي لا تُلبّي متطلبات المرحلة المقبلة ولا تعبر عن حراك الشارع، تحرك رئيس «التيار الوطني الحر» وفريقه نحو الخيار الثاني وهو اختيار شخصية من غير الوسط السياسي يتم التسويق لها وكأنها مدعومة من قبل الرئيس الحريري لتتولى مهمة رئاسة الحكومة العتيدة، ومن خلال ذلك يتم تأمين الغطاء السياسي والشعبي المطلوب لها ولو ظاهرياً على الأقل لكي تتمكن من الانطلاق بهذه المهمة وهو ما يحصل حالياً ضمن حركة المشاورات التي تسبق عملية تسمية الرئيس المكلف.
هذا في الظاهر، ولكن ما يتسرب من تسهيلات لعملية التشكيل الاستباقية يواجه عملياً بفرض أسماء وحصص وتناتش حقائب وما إلى هنالك من استئثار مرتقب بكل مفاصل الحكومة الجديدة والهيمنة على قراراتها، ما يعني انطلاقتها بصعوبة أو إبقاء حركتها ضمن هامش محدد، لا يمكنها من خلالها الانصراف لمعالجة المهمات الجسام التي تنتظرها في اكثر من مجال.
ولا تبدو مثل هذه المشاورات والاتصالات لتشكيل حكومة على هذا النسق الا لاضاعة وهدر مزيد من الوقت والتسبب بتدحرج المشاكل المعيشية على رؤوس النّاس، في حين يعرف الفريق الرئاسي ان أي حكومة لن تكون برئاسة الحريري ستبقى عاجزة عن القيام بالمهمات المنوطة بها، ولذلك يستعيض هذا الفريق الرئاسي بشن الحملات الممجوجة ضد الرئيس الحريري وهي حملات لن تقدّم ولا تؤخّر، بل تزيد من انحدار هذا الفريق نحو الفشل الذريع.