IMLebanon

أزمة التأليف… أبعد من حكومة الأشهر الستة

يعترف المتعاطون بملف تأليف الحكومة أنّ ما يعوق المهمة له وجهان، أحدهما داخلي نظراً الى قدرة البعض على إعاقة العملية الكاملة نتيجة التداخل بين ما هو داخلي وإقليمي في الدينامية التي قادت الى إنجاز الإستحقاق الرئاسي. وهو ما يشير بقوة الى الوجه الثاني من الأزمة المرتبط بما يجري في المنطقة وسوريا، وقد عبّر عنه الحديث الطارئ عن الأحجام والتوازنات. فكيف يمكن ترجمة ذلك وتبريره؟

يعترف مرجع سياسي يراقب عن كثب مساعي تأليف الحكومة بأنّ التطورات الأخيرة التي أعقبت انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية والسعي الى تأليف الحكومة في وقت قياسي لم تشهده البلاد سابقاً، كشفت كماً من الحقائق التي أسقطت العامل الداخلي الذي ساهم في إتمام الإستحقاق الرئاسي ووضعته على لائحة الإنجازات الخارجية.

لذلك فقد ظهر واضحاً أنّ العوائق التي نبتت فجأة أمام تأليف الحكومة أعادت الكرة الى الملعب الإقليمي الذي سمح بإنجاز الإستحقاق الرئاسي في لحظة تاريخية لم يكن من السهل بلوغها من دون ضمان ما يليه من استحقاقات دستورية وسياسية ولا سيما منها ما يتصل بتأليف الحكومة.

ويُضيف المرجع: «أخشى ما أخشاه أن يعيد التاريخ نفسه في فترة قياسية تُحتسب بالفترة التي سبقت الشغور الرئاسي.

وهو ما يعيد الى الأذهان شكل ومضمون وفاعلية التسوية الإقليمية التي أنتجت حكومة الرئيس تمام سلام في 13 شباط 2014 من دون أن تكتمل الآلية التي قادت اليها بإنتخاب رئيس للجمهورية قبل نهاية ولاية الرئيس الأسبق في 24 أيار من العام نفسه وذلك بعد مرور 11 شهراً على تكليفه تشكيل الحكومة في 6 نيسان 2013.

وعليه، فقد لفت المرجع الى أنّ الحديث المتمادي عن إنجاز الإستحقاق الرئاسي في 31 تشرين الثاني الماضي بعدة شغل محلّية صُنعت في لبنان ليس في محلّه إطلاقاً.

ذلك أنّ مَن أنجز استحقاقاً بهذا الحجم لا يمكنه تفسير أو تبرير عجزه عن استكمال المراحل الدستورية الأخرى بتأليف الحكومة التي يُقال إنّ مهمتها انتقالية ومحصورة بإدارة المرحلة الفاصلة عن الإنتخابات النيابية في الربيع المقبل، وإلّا سيقال إنّ وراء الأكمة ما وراءها، وإنّ هناك كثراً يخفون حقائق لا يريدونها أن تكون في تصرّف اللبنانيين.

والدليل الى هذه النظرية لا يحتاج الى البحث كثيراً عنه، فهو ظاهر الى العلن، فقد تبيّن أنّ التفاهمات الإقليمية والدولية على تجنيب لبنان الأسوأ هي التي قادت بعض اللبنانيين الى الإستحقاق الرئاسي من دون أن تتكوّن الإرادة الجامعة لديهم.

فبعض مَن انقاد الى جلسة 31 تشرين الأول لم يكن عالماً بمقتضيات ومقوّمات الصفقة التي عُقدت بعيداً منه وبقي حتى الساعات الأخيرة الفاصلة عنها يشكك فيها ويتردّد في حسم إمكان تحقيقها وإنجاز ما تمّ التفاهم عليه بقدرة قادر.

على هذه الخلفيات تمّت الصفقة الرئاسية من دون أيّ تفاهم مسبق على ما يليها، وقيل يومها إنّ سعي الرئيس نبيه بري الى سلّة كاملة تتناول تفاهمات داخلية على هوية الرئيس والحكومة والوزراء والحصص وصولاً الى عناوين البيان الوزاري وحتى التعيينات الإدارية في المراكز العليا العسكرية والمدنية، كانت من مقتضيات المرحلة، فإذا بالتفاهمات الخارجية تطيح السلة بما فيها ولم تتناول سوى المحطة الأولى منها التي كان يقترحها بري وهي انتخاب رئيس الجمهورية.

وعلى خلفية أنّ ما كتب قد كتب، فقد كان واضحاً في تلك الفترة أنّ عون هو رئيس الجمهورية المقبل ومَن سيُسمَّى لتشكيل الحكومة هو الرئيس سعد الحريري، وأنّ هاتين المرحلتين قد حُسمتا من دون أيّ ضمان يتناول المراحل التي تليهما. وأنّ ما سيحكم المرحلة المقبلة وتحديداً ما يتصل بتوزيع الحقائب والأحجام مغامرة أخرى بمعطيات مختلفة ومن دون أيّ ضمانات مسبَقة.

ولذلك لم يظهر للمرجع السياسي أنّ ما نعيشه في زمن «الفيتوات» على الحقائب والأطراف الوزارية والبحث عن الأحجام وتحديدها أمر مستغرب.

فقد كان واضحاً أنّ السباق الى تبنّي العهد والإنتصارات على تناقضاتها سيؤدّي الى معركة أحجام سيخوضها الجميع بلا أيّ ضوابط وأيّاً كان الثمن.

فالمرحلة تقتضي تصحيح ما سبقها من تهميش وإنهاء عهد اختيار الوزراء عن جهات من دون موافقتها المسبقة كما قال البعض صراحة. فيما كانت جهات اخرى تنتظر على الكوع لتغيير قواعد اللعبة، فمارست ما اعتقدت أنه حقّ لها وأحيت منطق «الفيتوات» على هذه الحقيبة أو تلك، وتشعّبت الأمور وتعقّدت الى المرحلة التي دخلت فيها عملية التأليف مسلكاً يُهدّد ما أنجزته حتى الأمس القريب.

وذلك نظراً الى حجم العقد الجديدة التي أطاحت بالمهلة الأولى التي أُعطيت لتشكيلها قبل عيد الإستقلال من دون أن يتمكّن أحد من تحديد مهلة أخرى تزامناً مع بروز خلافات جانبية تسبّبت بها مواقف «خميس بكركي» الماضي وردات فعل عين التينة والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى عليها، فتجمّدت المساعي الهادفة الى التأليف.

وكلّ ذلك يجرى على وقع تردّدات عرض القصير العسكري لـ«حزب الله» الذي تزامن مع الإستعدادات لمرحلة جديدة من العنف في سوريا دفعت بالبعض الى التشدّد في لبنان، وهو ما قد يعوق استئناف مساعي التأليف قبل إعادة النظر في الأحجام والحقائب، وهو ما يعني أنّ عملية التأليف باتت مؤجَّلة الى حين، عدا عمّا هو متوقع من مواقف سلبية قد تنعكس مزيداً من التشنّج على أكثر من مستوى.