هيئة الحوار الوطني هي جزء من الأزمة. ولا شيء يوحي، قياساً على التجارب، انها قادرة على أن تكون جزءاً من الحل بانجاز دوحة لبنانية من دون توافر عاملين قادا الى اتفاق الدوحة: حدث دراماتيكي داخلي، ودور خارجي مؤثر ومدعوم بحاجة القوى الاقليمية والدولية الى خدمات لبنان. فلو كانت مؤسسات الدولة تعمل بالحد الأدنى، لما احتاج أحد الى هذا الاختراع الذي اسمه هيئة الحوار المقتصرة على أهل السلطة في المجلس النيابي ومجلس الوزراء. ولو فعلت الهيئة شيئاً غير المناظرات المعبرة عن مواقف جامدة لما حدث الشغور الرئاسي، والتمديد لبرلمان معطل، والعجز عن تغيير أسوأ حكومة، باعتراف رئيسها، وتعثرها في إقرار اي مشروع بلا المحاصصة.
واذا لم يكن الاتفاق على عقد ثلاث جلسات متتابعة في ٢ و٣ و٤ آب مجرد شراء وقت، فان السؤال البسيط هو: ما الذي يتغير من الآن الى آب ليصبح ممكناً الخروج باتفاق على سلة متكاملة تضم رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب واجراء انتخابات نيابية وانشاء مجلس شيوخ؟ والسؤال الأبسط هو: من يحمل مفتاح الخروج من المأزق؟ الداخل أم الخارج؟ اذا كان المفتاح في الداخل، كما يتصور البعض، فلماذا عجزت هيئة الحوار عن الاتفاق على استخدامه، وما الذي يدعو الى تعديل المواقف في آب؟ واذا كان المفتاح في الخارج، كما يرى كثيرون ويسلمون بأن اللعبة هي بين طهران والرياض، فما الذي يدفع المشتبكين في صراع جيوسياسي واسع في سوريا والعراق واليمن والبحرين الى الاتفاق في لبنان؟
الجواب مكتوب على الجدار عبر استمرار المأزق. فالأزمة، بلغتها الأصلية، تجمع الخطر والفرصة. وما نفعله نحن هو تكبير الخطر وإغلاق الفرصة. ولا أحد يصدّق اننا، بعد ٢٦ سنة على الطائف، جادون في تنفيذ ما حكمت المصالح بابقائه على الورق. فلا نحن على الطريق الى بناء دولة، ان لم نكن سائرين على طريق التخلص مما بقي منها. ولا لبنان خارج الفتنة التي يقال ان الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل هو لتجنب الذهاب اليها.
ذلك ان الصراع الدائر في المنطقة، برغم أهمية اللعبة الجيوسياسية، هو تنويع في الفتنة بسبب الطابع المذهبي الذي يأخذه. ففي هذا الطابع تعبر الخلافات والتوترات الحدود، سواء عبر المشاركة في الحرب أو عبر تعاطف أبناء كل مذهب مع اخوانهم. واذا كان لبنان تجنّب الفتنة الحارة، فان الفتنة السياسية الباردة شغّالة. وحراسة الأزمة السياسية الخطيرة ليست سوى بديل من الفتنة.