IMLebanon

السلطة والجيش: إهمال مريب لملف الرهائن

التوتر الظاهر لن يمنع النقاش الهادئ لأزمة الرهائن. الجهة الوحيدة التي تُعذر على ما تقوم به هي عائلات العسكريين المخطوفين الذين يضطرون الى تحركات احتجاجية، لاقتناعهم بأن لا قيادة الجيش ولا الحكومة ولا أي من القوى السياسية يقوم بما يطمئنهم. بل يتأكد هؤلاء، يوماً بعد آخر، أن لا وجود لأي استراتيجية تقنعهم بملازمة منازلهم، أو حتى القيام بتحرك منسق.

الأهالي عرضة لأبشع أنواع الابتزاز.

في الحسابات الجامدة لأي عملية تفاوض، يظهر موقف الاهالي وكأنه يصب في خدمة الطرف الخاطف. هم يقومون بتحرك يستهدف الدولة، ويريدون منها القيام بمقايضة تتيح عودة أبنائهم سالمين. وهم محقون في ما يعتقدون. لكن هناك نتيجة يجب أن يعرفها الاهالي، وهي أن الخاطفين هم أكثر المرحبين اليوم بتحركاتهم، لأن هؤلاء يعرفون أن الاهالي لا يمارسون الضغط على الحكومة والجيش للقيام بعمل عسكري، بل من أجل ما يرونه حلاً وحيداً لاسترداد أبنائهم، وهو إطلاق سراح من يطالب الخاطفون بإخلائهم.

في الجانب الآخر، تنشغل الحكومة بملفات غير ذات أولوية. يمكن القول، صراحة، إنه لا داعي لسفر رئيس الحكومة الى نيويورك، فيما يستمر الملف من دون علاج. رئيس الحكومة يدرك أن لا مجال لأي حركة في غيابه. بل إنه واثق بأن القوى النافذة لن تبادر الى أي تحرك من جانب واحد. وهو يدرك، أكثر، أن الجيش ليس في مناخ القيام بعمل خارج المتفق عليه.

الجيش ينفّس غضبه في المكان الخطأ، ولا يمكن تبرير العجز عن تحرير الرهائن بعمليات دهم لاإنسانية

فتكون النتيجة أن سفر رئيس الحكومة هو تجميد لجهود الدولة، وليس تجميداً للملف برمته، لأن الخاطفين يشعرون بضيق الوقت، ويريدون التخفف من هذا الملف، بعدما باتوا ينظرون اليوم الى السماء خشية أن تقوم طائرات التحالف بالإغارة عليهم. لكن غياب الأفق يجعلهم في موقع المطالب بنتائج سريعة. ولأن هؤلاء بلا عقل وبلا قلب، فإن قيامهم بعمليات قتل إضافية للمخطوفين أمر وارد في أي لحظة.

ما دعا إليه السيد حسن نصرالله، قبل أيام، لا يبدو أنه احتل مكانه لدى أهل السلطة عندنا. الكيديون منهم، قالوا: ليقم حزب الله بتحريرهم! هؤلاء، يرمون الكلام في الهواء، حتى إذا ما قال لهم حزب الله إنه مستعد لتولي المهمة، عادوا واستفاقوا على حبّهم للسيادة، وبالتالي، فإن الفراغ والعجز هما اللذان يسودان.

لكن، ما الذي يقوم به الجيش؟

بنك المعلومات الأمنية الموجود لدى الاستخبارات العسكرية للجيش مليء بالمعلومات والتفاصيل حول حركة المسلحين في عرسال ومحيطها، وحول التواصل مع مجموعات وقوى موجودة في عمق الاراضي اللبنانية، جنوباً وشمالاً وجبلاً وبقاعاً، وفي العاصمة أيضاً. وثمة مصادر عدة لهذه المعلومات، منها المحلية والعربية والدولية أيضاً. لكن الجيش وافق على تكبيل يديه بنفسه عندما قبل بتسوية مذلّة في عرسال، قضت بهرب الخاطفين مع المخطوفين، والحدّ من حركة قواته على الارض، داخل البلدة أو جوارها، وحتى عندما قبل بالامتناع عن القيام بأعمال التعقب والدهم متى يرى حاجة إلى ذلك. أمام هذا الواقع، بات الجيش يبحث عن ضالته في أماكن تجمعات النازحين السوريين. وفي حالات المواجهة مع هؤلاء، تقع الأخطاء الكبيرة، ومنها العيب الأخلاقي الذي تمثل في عمليات دهم طالت أبرياء ومدنيين عزلاً، حتى ولو كان بين هؤلاء من هو مشارك في العمليات العسكرية ضد الجيش. يعرف الجيش، كما كل القوى الأمنية، أن العراضات لم تعد تنفع في تخويف أحد. ولا هي أدوات تتيح الوصول الى المطلوب. حتى صارت النكتة واجبة: مع كل عملية دهم، تحصل على مطلوب قتيل أو حريق في منزله! في قيادة الجيش من هو غاضب. ولكنه قرّر أن ينفس غضبه في المكان الخطأ. ولكي لا يبدو الكلام تهويلاً أو تحريضاً، فإن الجيش يعرف تماماً أين يكمن الخطر، ويعرف المكان المناسب لصرف غضبه بحكمة ودراية. والجيش يعرف تماماً أين يتحرك الارهابيون، ومن يقوم بعملية الإمداد المستمرة لهم بكل أدوات الحياة، كما يعرف أن في مقدوره، متى أراد التصرف باحترافية وبما يتناسب وكرامته، أن يقوم بالكثير لإجبار الخاطفين على ترك الاسرى، ولإجبار داعمي هؤلاء على الانكفاء. لكن، ثمة من في الجيش من لا يريد القيام بهذا الامر. وثمة من يترك المنطقة بلا تعزيزات كافية لمنع تكرار المذبحة، وثمة نقص في الاجراءات تمنع توجه عسكريين الى الأماكن الخطرة، وبالتالي تمنع تعرضهم للخطف، وثمة نقص في الحزم الذي يمنع مجموعات مجنونة من مطاردة الجنود في أحياء طرابلس وقتلهم. المشكلة أن في الحكومة، وفي عقول طبقة سياسية مهترئة، وفي عقول ضباط كبار، من صار اليوم يفترض أنه يجب انتظار نتائج الغزوة الغربية الجديدة على سوريا والعراق. وهؤلاء المنتظرون، هم أنفسهم الذين قرروا الانتظار منذ ثلاث سنوات، وتسمّروا على الشاشات في انتظار الدخان الابيض المرتجى من قبلهم. والنتيجة، أن شيئاً من هذا لن يحصل، وأن مصير العسكريين المخطوفين وعائلاتهم سيظل رهن أشخاص دون المسؤولية.

أدركنا يا سيد!