Site icon IMLebanon

تفويض الجيش بالقضاء على المجموعات الارهابية وتحويل أماكن تواجدهم في الجرود إلى مخيمات للنازحين

الجيش اللبناني قادر عسكريا على حسم المعركة في جرود عرسال في أي وقت كان، لكن الأمر دونه عوائق سياسية شائكة أهمها حاجته للتوغل في أراض سورية واحتمال احتياجه لدعم جوي من طيران التحالف الدولي الذي أبدى استعداده للمساعدة في حال طلب لبنان ذلك. فلقد استلم الجيش خلال الأشهر الماضية كميات من مدافع الهاوتزر عيار 155 ملم وذخائر وصواريخ هيل فاير الفائقة الدقة حيث بات يملك قوة النيران الكافية لتحقيق أهدافه وتنظيف جرود عرسال وحتى بعض مناطق القلمون من مسلحي داعش وجبهة النصرة. كما أن طائرات دون طيار وطائرات السيسنا توفر له قدرة دائمة وعلى مدار الساعة ليلا – نهارا على الاستطلاع والمراقبة التي تمكنه من رصد تحركات المسلحين واستباقها عند الحاجة. وعليه، فهو ليس بحاجة لاسناد من أي جهة داخل لبنان لتنفيذ هذه المهمة، وذلك حسب مصادر عسكرية لبنانية وأميركية.

المعضلة الأساسية كانت دائما ولا تزال قدرة مقاتلي داعش على التحرك من داخل الأراضي السورية باتجاه جرود عرسال. فمن المفترض أن مقاتلي داعش محاصرين في مناطق معروفة في جرود عرسال والقلمون. الا أنهم وعلى مدى أكثر من عام يتلقون دعما بالأفراد والعتاد ويتزايد عددهم فجأة قادمين من الأراضي السورية ليشنوا هجمات على مواقع الجيش أو قوى المعارضة السورية أو جبهة النصرة. وحسب مصادر استخباراتية لبنانية فان استجواب بعض أسرى داعش كشف معلومات خطيرة اذ أعطى بعضهم أسماء ضباط سوريين وأماكن تمركزهم على الحواجز التي تفصل الرقة عن القلمون وكم دفعوا لكل من الضباط ثمن عبورهم بسياراتهم وعتادهم ليصلوا الى منطقة جرود عرسال، وكأن هناك نية لدى جهات داخل النظام السوري لابقاء جبهة عرسال مشتعلة. وعندما يبادر الجيش في استهداف مراكزهم غالبيتهم يفرون الى داخل الأراضي السورية.

وجود داعش وقوى متطرفة أخرى على حدود لبنان يخدم هدف ابقاء حالة الخوف في قلوب اللبنانيين من هذه الجماعات ويبرر ارسال مقاتلين من لبنان الى سوريا لمحاربتهم. وربط مصير النازحين السوريين في عرسال بمصير هذه القوى المتطرفة انما يضعف الحكومة اللبنانية ويجعلها مترددة في اعطاء الضوء الأخضر للجيش اللبناني لحسم الموقف. كما أن تمكين مقاتلي داعش من الوصول الى الحدود اللبنانية أضعف فصائل الجيش السوري الحر حيث باتت تقاتل على جبهتين: جيش النظام السوري من جهة وداعش من جهة أخرى. هذا أدى الى خسارة المعارضة السورية القلمون ومناطق استراتيجية أخرى في غوطة دمشق.

يحتاج الجيش اللبناني الى قرار واضح من الحكومة حول امكانية دخوله بعض الأراضي السورية في اطار تنفيذ مهمته. وتجدر الاشارة الى أن الدول الأخرى المحيطة في سوريا مثل الاردن والعراق وتركيا أرسلت قوات لها داخل الأراضي السورية لمطاردة داعش والجماعات الارهابية دون التنسيق مع الحكومة السورية التي تبدو وبشكل واضح عاجزة عن ضبط حدودها، وهذا يأتي ضمن حق الدول المشروع بالدفاع عن نفسها. كما أن الجيش يجب أن يضع خطة محكمة تمنع مسلحي داعش والنصرة من الفرار بأي اتجاه وتضعهم أمام خيارين: اما الاستسلام أو الموت. فلا يجب السماح لهم بالفرار باتجاه مناطق سيطرة النظام السوري ليعودوا منها كما فعلوا سابقا. وعليه، يجب على الحكومة اللبنانية أن تجتمع فورا وتضع للتصويت قرارا بتفويض مطلق للجيش بتطهير جرود عرسال وكافة الأراضي اللبنانية الواقعة على الحدود مع سوريا وتوفير الدعم اللازم له سياسيا واعلاميا – داخليا وخارجيا – لتنفيذ هذه المهمة.

ويبدو أن المتغيّرات على الساحة السورية في ضوء الاتفاق الأميركي – الروسي وانطلاق العمليات التي تقودها أميركا للسيطرة على الرقة قد ساهمت في تسريع قرار حزب الله في السيطرة على جرود عرسال. فلماذا كان التعايش مع داعش في جرود عرسال مقبولا قبل هذه التطورات الأخيرة؟ حصار الرقة والانتشار المتزايد للجنود الروس في ضواحي دمشق وجنوب سوريا قطع سبل الامداد لداعش في الرقة مما سيجعل امكانية استمراها هناك صعبا، وهذا سيضع المقاتلين في وضع يجبرهم فيه على الفرار باتجاه الأراضي اللبنانية مستغلين مخيمات النازحين. تقطع السبل فيهم سيجعلهم أكثر يأسا وخطرا مما يستدعي العمل السريع من قبل السلطات اللبنانية. كما أن في حال سيطرة الجيش على جرود عرسال ورأس بعلبك وحتى بعض مناطق القلمون سيوفر للبنان مساحات شاسعة لبناء مخيمات للنازحين فيها يضعها بتصرف الأمم المتحدة ومنظمات الاغاثة التابعة لها. هذا ما قامت به تركيا ويسعى اليه الاردن اليوم، فلم لا في لبنان؟

قد يكون كلام أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله حول انذار الدولة اللبنانية بسرعة حسم الموقف في جرود عرسال «وإلا» قد استفز بعض المسؤولين اللبنانيين. لكنه وضعهم أيضا أمام مسؤولياتهم وأمام خيار لا بد من اتخاذه. فما من شيء يقوي الدولة أكثر من أخذ زمام المبادرة في مواجهة المصاعب والتحديات. فليكن التصويت داخل مجلس الوزراء، وحينها يتقاسم الجميع المسؤولية سلبا أم ايجابا وتنكشف مواقف الجميع.