IMLebanon

«خريف اردوغان»

توحي عناوين الصحف التركية بشهر ساخن في تشرين الأول (اكتوبر) المقبل، نظراً إلى ما يُتوقع أن يتخلله من تصعيد في السجالات بين الأحزاب المتنافسة تمهيداً للانتخابات المبكرة في تشرين الثاني (نوفمبر)، وهي الاستحقاق الثاني من نوعه خلال ثلاثة أشهر بعد فشل حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تشكيل حكومة تتمتع بغالبية كافية لتنفيذ برنامج الرئيس رجب طيب اردوغان، خصوصاً لجهة إقرار تعديلات دستورية يتحول معها النظام من برلماني إلى رئاسي.

والملفت أن الجدل لا يتناول قضايا من النوع الذي رفعه المتظاهرون في ساحة تقسيم، ولا برامج تنمية موعودة أو مصير الانضمام إلى اوروبا، ولا حتى «حصة» تركيا المفترضة في أي تسوية في سورية وهو موضوع يتعيّن أن يكون محورياً في السياسة الخارجية التركية. وحده شعار «مكافحة الإرهاب» حضر بعناوين عريضة، بعدما فرضه اردوغان أجندة رئيسية، في حملة حزبه الانتخابية.

و «الإرهاب» المقصود هنا لا يتعلق بـ «داعش» وما شابهه، بل بحزب العمال الكردستاني الذي يريد اردوغان خوض الانتخابات على وقع حرب مع مقاتليه في جنوب شرق البلاد.

وخلافاً للموقع الذي يفترض برئيس أن يتبوأه بموجب الدستور، حَكماً بين الأطراف، وهو الموقع الذي يفرضه منطقياً، سعي الرئيس إلى تحويل النظام رئاسياً رغبة في جمع مزيد من الصلاحيات، فإن اردوغان أقحم نفسه في سجالات مع سائر زعماء المعارضة، فوجد نفسه طرفاً بدل أن يكون حَكماً.

لا يتوانى عن مساجلة زعيمي «الحركة القومية» دولت باهشلي و «حزب الشعوب الديموقراطي» صلاح الدين ديميرطاش وغيرهما، ولا يفسح في المجال أمام زعيم «العدالة والتنمية» رئيس الحكومة أحمد داود اوغلو للإدلاء بدلوه، كما لم يُترك للأخير مجال لاختيار فريقه القيادي على رأس الحزب في انتخاباته الداخلية الأخيرة، ما عزز قناعة المراقبين بصحة الأقاويل بأن في مكان ما في أدراج القصر الرئاسي، ثمة مخططاً لتهيئة سميّة ابنة اردوغان لتسلم مقاليد الحزب في أقرب فرصة متاحة.

المشهد لا يبتعد كثيراً عن صورة «البطريرك» في رواية غابريال غارسيا مركيز، الشخصية الخيالية لحاكم، شكل مزيجاً من غوستابو روخاس بينيا وخوان بيثنتي غوميث وفرانسيسكو فرانكو، وحب الاستئثار، وهذه نقطة ضعف لا تبعد كثيراً أيضاً، عن تجارب الحاضر أو الأمس القريب في دول الجوار التركي.

غير أن ما تفرضه الرغبات يتعيّن أن يكون قابلاً للتحقيق على أرض الواقع بفعل القدرة، أقلها لجهة الاستقطاب الشعبي، الأمر الذي يفتقد إلى مؤشرات، استدلالاً بنتائج الانتخابات الأخيرة، ناهيك عن تسجيل تراجع بواقع نقطتين أو ثلاث، للحزب الراغب في تصدر المشهد السياسي في تركيا.

وبعيداً عما يشبه انقلاباً في المشهد الانتخابي من خلال إعادة رسم خرائط المرشحين عن غالبية الأحزاب في الأيام القليلة الماضية، فإن ما تظهره الاستطلاعات المرموقة، هو أن النسبة المتوقعة لحزب العدالة والتنمية لا تناهز الـ39 في المئة ولا تشكل بالتالي «قفزة» على حزب الشعب الجمهوري (الاتاتوركي – المعارض) الذي يحتفظ بـ26 في المئة من أصوات الناخبين، يليه حزبا «الحركة القومية» و «الشعوب الديموقراطي» بـ16 و14 في المئة على التوالي.

وأياً يكن التفاوت في صحة تلك التوقعات فإن ما تنبئ به مبدئياً لا يتطابق مع طموح «العدالة والتنمية» في الاستئثار بالغالبية، ما يرجح عودة أزمة تشكيل الحكومة إلى نقطة الصفر، ومعها الصراع على التفرد بالسلطة. وبذلك تبدو محاكاة سيناريو ما حققه فلاديمير بوتين في روسيا خلال السنوات الأخيرة، أمراً بعيد المنال في تركيا، في الوقت الراهن على الأقل.