Site icon IMLebanon

صحوة وطنية أو انتفاضة اجتماعية!

يُعتبر الوضع الاقتصادي والمالي مقلقاً إذ سجلت في السنوات الأخيرة غالبية المؤشرات تراجعات ملموسة بحيث باتت المؤسسات مهدّدة بالإفلاس والأوضاع الاجتماعية مهدّدة بالانهيار نتيجة انعدام الاستقرار السياسي والأمني الداخلي، والاضطرابات في المنطقة لا سيما في سوريا ونتيجة التدفق الكثيف للنازحين السوريين.

يُضاف الى ذلك، تسجيل الاقتصاد مؤخراً تطوّرات مقلقة تعود الى تآكل مقوّمات صموده وقوته ما يجعل تحرّك الحكومة، ضرورة لإنقاذ البلاد من الانهيار.

إذا قاربنا المؤشرات الاقتصادية في السنوات 2010 ـ 2015، يمكن استخلاص الآتي:

1ـ النمو الاقتصادي: هبط بشكل قويّ من 8 % الى أقل من 1 % ويقدّر بحوالي 1 % في العام الحالي نتيجة الأضرار التي أصابت القطاعات الاساسية المحركة للاقتصاد من السياحة والعقار، وزعزعت ثقة المستثمرين والمستهلكين، وعرقلت التبادل التجاري بين لبنان ودول المنطقة بإقفال الطرق والمعابر البرية.

في هذا الإطار، سجل القطاع السياحي في فترة 2010 ـ 2015 تراجعاً ملموساً نسبته 40 % من 2.156 مليون سائح الى 1.365 مليون سائح وطال بشكل رئيسي السياحة العربية التي خسرت نحو 60 % من عدد سياحها، اضافة الى تسجيل القطاع العقاري تراجعاً لأكثر من 25 % من عدد مبيعاته والصادرات لأكثر من 30 %.

تقدّر الخسائر التراكمية للناتج المحلي في فترة 2011 ـ 2015 بحوالي 15 مليار دولار وتصل في نهاية العام 2016 الى حوالي 20 مليار دولار.

1 ـ الاستثمارات الأجنبية المباشرة: انخفضت بشكل كبير حوالي 43 % من 4.9 مليار دولار في عام 2010 الى 2.8 مليار دولار في عام 2015، بسبب أجواء عدم اليقين وقلق المستثمرين من الأحداث السورية، خصوصاً الخليجيين الذين كانوا يستثمرون في قطاعَي السياحة والعقار.

2 ـ ميزان المدفوعات: تدهور بشكل كبير في فترة 2010 ـ 2015 إذ تحوّل من فائض بقيمة 3.3 مليار دولار الى عجز يقارب الملياري دولار نتيجة تراجع التدفقات المالية واتساع العجز في الميزان التجاري.

3 ـ المالية العامة: تدهورت واتسع عجزها من 5.9 % من الناتج المحلي عام 2011 الى حوالي 8.5 % في العام الحالي برغم سياسة الانضباط المالي التي يتبعها وزير المال. يعود اتساع العجز الى الضغوط على النفقات العامة التي ارتفعت حوالي 35 % نتيجة زيادة الرواتب والأجور وخدمة الدين العام والنفقات الأمنية وكلفة النازحين السوريين، كما يعود الى عدم زيادة الإيرادات العامة نتيجة تباطؤ النشاط الاقتصادي وإلغاء الرسوم على المشتقات النفطية.

أما الدين العام، فإنه ارتفع من 52.6 مليار دولار عام 2010 الى 70.3 مليار دولار عام 2015 ونسبته 33.6 % مشكلة 136 % من الناتج المحلي.

4 ـ معدلات البطالة: تضاعفت في فترة 2010 ـ 2015 من 11 % الى 25 % وتصل الى 34 % لدى الشباب نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية وإقفال المؤسسات، إضافة الى تدفق النازحين السوريين الذين تسببوا بزيادة عدد طالبي العمل حوالي 50 %.

5 ـ أزمة الفقر: ازداد عدد الفقراء حوالي 170 ألف نسمة ونسبته 4 % من اللبنانيين متسببة بزيادة معدل الفقر في لبنان من 28 % الى 32 %. يعود السبب الرئيسي للزيادة الى تدفق اللاجئين السوريين (70 % فقراء) وضعف إمكانية الدولة للمعالجة.

في الوقت عينه، بدأت عناصر صمود وقوّة الاقتصاد اللبناني تتضاءل وتظهر من خلال الآتي:

أ ـ تحويلات اللبنانيين: تراجعت في عام 2015 حوالي 4 % من 7.5 مليار دولار الى 7.2 مليار دولار ويقدّر ان تقل عن 7 مليارات دولار في العام الحالي نتيجة تراجع مداخيل الدول النفطية الخليجية (58 % مــن التحويلات) وتباطؤ اقتصادات الدول الافريقية والاوروبية.

تعتبر تحويلات اللبنانيين من عناصر قوّة الاقتصاد، اذ تساهم في نمو الودائع المصرفية، وتحسّن مداخيل العائلات، وتفعّل الاقتصاد عبر الاستهلاك والاستثمار لا سيما العقاري.

ب ـ احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية: تراجعت بنسبة 6.65 % من حزيران 2015 حتى حزيران 2016 أي من 38.86 مليار دولار إلى 36.25 مليار دولار وتصل نسبة التراجع الى 14.43 % لو لم يقـم مصرف لبنان بهندسات مالية عززت احتياطيَّه بالعملات الأجنبية بقيمة 3 مليارات دولار.

ج ـ نمو القطاع المصرفي: تراجع من 11.9 % في العام 2010 الى 6.5 % في العام 2015 نتيجة انخفاض نمو الودائع من 12.4 % الى 5.2 % متأثّراً بتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتقلّص التدفقات المالية.

د ـ إجراءات مصرف لبنان التحفيزية للنمو: تتأثر بالاستقرار السياسي والأمني، وبأوضاع القطاعات الاقتصادية، وبالوضع المالي للافراد، وبمستوى المخاطر. وهي ساهمت في تنشيط الاقتصاد، وتحريك القطاع العقاري، وتحسين الاوضاع الاجتماعية، وإنقاذ بعض القطاعات الاقتصادية.

ومن الملاحظ أن الانقسامات السياسية تعطّل حلول الازمة الاقتصادية والتي تتضمن وجوب اتخاذ الإجراءات الاولية التالية:

1 ـ إقرار مشروع الموازنة العامة للعام 2017: يتيح تنفيذ عمليات إصلاحية ولو محدودة على الصعيد الاجتماعي (الصحة) والضريبي (ادراج الضريبة الموحدة على المداخيل، رفع الضريبة على القيمة المضافة، ادراج ضريبة على المصارف). كما يتيح ضبط الإنفاق العشوائي (المناقصات) وخفض العجز في المالية العامة ما ينعكس ايجاباً على تصنيفها الائتماني.

تستطيع الحكومة أن تتبنى في موازنتها العامة هدف «النمو» عبر تخصيص فوائد مدعومة للقطاعات الإنتاجية، وزيادة الإنفاق الاستثماري، ومنح حوافز ضرائبية للاستثمارات لا سيما استثمارات الشباب (إعفائها من الضرائب ومن اشتراكات الضمان الاجتماعي)، وتخفيض الرسوم على الصادرات.

2 ـ إقرار مرسومَي النفط والغاز: يحمي حقوق الدولة من الأطماع الإسرائيلية، يحسّن موقعها الجيوستراتيجي في المنطقة، يؤمن لها مصادر لتسويق صادراتها النفطية فضلاً عن أنه يخلق أجواء إيجابية للمالية العامة والمديونية.

3 ـ معالجة ملف الكهرباء: يجب أن تعتبر من اولويات الحكومة وتحتاج الى قرار سياسي وليس الى قرار مالي، اذ انخفضت التحويلات الى مؤسسة كهرباء لبنان في العام 2015 حوالي 800 مليون دولار نتيجة انخفاض اسعار النفط عالمياً.

تبدأ معالجة ملف الكهرباء بزيادة الطاقة الإنتاجية عبر بناء معملَي دير عمار والذوق وليس عبر زيادة الاعتمادات لباخرتي الطاقة التركيتين.

4 ـ تكثيف المطالب للمساعدات الدولية: تعتبر المساعدات الدولية للنازحين السوريين ضعيفة وغير كافية إذ تشكل 40 % من حاجات النازحين، وقد بلغت في فترة 2011 ـ 2015 حوالي 3.3 مليارات دولار.

5 ـ إقرار قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص: يحرك الاقتصاد، يخفف الأعباء على الخزينة العامة (الكهرباء)، وينعكس ايجاباً على الوضع الاجتماعي والحياتي.

انها لوحة سوداوية للاقتصاد اللبناني ولكنها قابلة للاستيعاب. الأساس أن تدرك القوى السياسية حجم المخاطر التي تهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وأن تباشر بطرح حلول للازمة الدستورية وللمشكلات الاقتصادية. بذلك فقط تتفادى «انتفاضة اجتماعية» يمكن أن تطيح بمكونات الدولة.