Site icon IMLebanon

«صحوات» سوريّة؟

تجربة «الصحوات» في العراق كانت واحدة من أنجح الخطوات التي رعاها قائد المنطقة الأميركية الوسطى السابق الجنرال ديفيد بترايوس في سياق الحرب على «القاعدة» ومخلفاتها وملحقاتها، وخصوصاً تلك التي قادها «أبو مصعب الزرقاوي» قبل أن يُقتل هذا نتيجة غارة جوية استهدفته في ريف بعقوبة في حزيران عام 2006.

و»الصحوات» كانت تعبيراً عن سياسة حصيفة وصحيحة وبعيدة النظر اعتمدها الأميركيون في حربهم ضد الإرهاب «القاعدي» ونجحوا فيها، قبل أن يتولى نوري المالكي نسفها من أساسها انطلاقاً من حساباته المذهبية القميئة والمدمّرة والتي تبيّن في الإجمال أنها كانت أبرز الأسباب التي أوصلت العراق إلى وضعه الكارثي اليوم، وجعلته مكشوفاً تماماً أمام إيران ومناوراتها و»داعش» وطلاسمه.

الأساس الذي بنى عليه الجنرال بترايوس فكرة «الصحوات» كان شديد البساطة: لا تنجح الحرب على «القاعدة» وإفرازاتها إلاّ من داخل البيئة التي تفترض أنها حضنها الآمن.. العامل العسكري الخارجي (الأميركي) مساعد ومؤثر ومطلوب ميدانياً، لكن الأساس هو جذب مكوّنات البيئة (العشائرية السنية) إلى دائرة تلك الحرب انطلاقاً من ثابتتين مقنعتين، الأولى: أن الإرهاب عدمي عبثي، لا ديني، وأضراره الدائمة أكبر من أي فائدة عابرة. والثانية: أن المشاركة في هذه الحرب تؤكد المشاركة في السلطة المركزية في بغداد وتقطع الطريق على محاولة الاستفراد بها.. عدا عن أنها في الإجمال تمنع تمدّد المواجهات باتجاه فتنة مذهبية، مماثلة للتي تحصل اليوم (بالمناسبة)، تحت ستار محاربة «داعش»!

كان يمكن لتلك التجربة الفذّة أن تطمس الخطيئة الاستراتيجية التي ارتكبها الحاكم المدني الأميركي عندما حلّ الجيش العراقي ورمى مئات الألوف من عناصره وضباطه في الشارع قاطعاً أرزاقهم ومصدر عيشهم وجاعلاً من جزء كبير منهم أمام خيار الموت جوعاً أو الذهاب إلى «القاعدة»! لكن المالكي وأسياده الإيرانيين كانت لهم أجندة مختلفة، أساسها الاستئثار بالسلطة والشروع في رحلة «تصفية الحساب» مذهبياً وبمفعول رجعي، مع النصف الآخر من العراقيين باعتبارهم حاضنة «البعث» الصدّامي الآفل!

حديث «الصحوات» العراقية القديم هذا أفرزته حديثاً الأنباء التي نشرتها صحيفة «إندبندنت» البريطانية بالأمس عن اجتماعات عُقدت في جنيف بين ممثلين للعشائر السورية (السنية) وآخرين يمثلون دولاً معنية بإنهاء النكبة السورية في وجهيها الاسدي و»الداعشي».

حظوظ نجاح تجربة «الصحوات» السورية موازية لتلك العراقية، لكن ذلك لا يغيّب نقطة ضعف قد تكون قاتلة في هذا المسار: بدلاً من جورج بوش في «البيت الأبيض» هناك باراك أوباما! وبدلاً من الجنرال بترايوس هناك «شيء غريب» في «البنتاغون» اسمه الجنرال ديمبسي!.. أما المالكي (السوري) فهو بالكاد يتدبر رأسه ويلملم انهيارات بقايا سلطته، قبل أن ينقل بقايا تلك البقايا إلى مسقط رأسه في الشمال السوري.. وقريباً جداً!!