قال لي احد الاصدقاء :»بشو بالك معالي الوزير، بهل الحشرة في حدا بالو بالاقتصاد، فأجبته :»انا».
بعيداً من السياسة والتخبط الحاصل انظر الى مكان ابعد حيث الدول تخطط لانتاج افضل ومستدام، وادراك اعمق للشؤون الاقتصادية، ويعرف اليوم كل المهتمين بالشؤون الاقتصادية ان الصحافة الاقتصادية بحاجة الى اعادة اختراع ذاتها في لبنان، عبر توسيع اطار القراء وتحديث الاخبار الاقتصادية بحيث لا تقتصر على اسعار العملات والبورصة، بل تتعداها الى اخبار تلامس ارض الواقع والشؤون الحياتية والتجارب العالمية بشكل حرفي.
من هذه المبادرات لفتني خبر مفاده ان شركة «هاربين» الصينية الدولية للهندسة الكهربائية وقّعت اتفاق مشروع مشتركا مع شركة أعمال المياه والطاقة الدولية السعودية، لبناء أوّل محطة للطاقة الكهربائية عاملة بالفحم النظيف المطابق لشروط الاتحاد الاوروبي في دبي. مشروع مشترك سعودي اماراتي لانتاج الكهرباء على الفحم.
من المعروف ان هذه المصانع منتشرة عالميا، وتعتمد بريطانيا بشكل كبير على الفحم الحجري لانتاج الطاقة، ويوجد حوالي 72 معملا حالياً وتقوم ببناء محطة جديدة للانتاج معتمدة على الفحم النظيف او بكلام آخر على المعايير الاوروبية الجديدة لانتاج الكهرباء على الفحم. اما اسرائيل فتملك مصنعين للطاقة العاملة على الفحم لانتاج 2500 ميغاواط.
وتجدر الاشارة الى ان بريطانيا واسرائيل لن تتوقفا عن انتاج الكهرباء على الفحم الحجري في المصانع الحالية حتى العام 2025. والجدير ذكره ان الكلفة المباشرة لانتاج الكهرباء على الفحم هي حوالي 3 سنت لكل كيلووات.
وقد اعادني هذا الخبر الى حقبة وزير طاقة في لبنان لم يأخذ حقه وقوبلت خطته بالاستخفاف والتهكم وهو الوزير آلان طابوريان والذي وضع خطة في صلبها انتاج الطاقة على الفحم، يومها برزت انتقادات كبيرة على طراز ان الوزير طابوريان يريد اعادة لبنان الى العصر الحجري.
والافظع والأهم ان بعض هؤلاء الذين يسمون انفسهم علماء «بيئيين» والكل يذكر التهشيم الذي تعرض له هذا الوزير النظيف الفكر والكف، وحلقة كلام الناس مسجلة لمن يريد أن يتذكر.
وقد انطلق طابوريان في خطته من مفهوم صناعي وعملي حيث الخطة تقسم احتياجاتنا إلى قسمين:
– الأول على المدى القريب، ويقضي بشراء 10 مولدات، كل مولّد بـ100 ميغاوات تقريباً، لتوزيعها على معامل الإنتاج الموجودة على الأراضي اللبنانية، في أسرع وقت ممكن.
– الثاني على المدى المتوسط، والقاضي بتركيب خط على الفحم الحجري، تتراوح قوته بين 1500 و2000 ميغاوات.
خطة عمل الوزير طابوريان المبنية على المبادئ الصناعية الشفافة والواضحة كانت ستؤمن للبنان كهرباء 24 /24، وتنقذ لبنان من المنتفعين من لصوص الهيكل وشركائهم. وقد تبين اليوم ان هذا الحل هو من الحلول الفاعلة والمعتمدة التي باتت الدول تتطلع اليها لانتاج الكهرباء.
ولكن يبدو ان الهجوم على الوزير طابوريان كان يأتي من ضمن خطة واضحة لعرقلة مشاريع تكتل التغيير والاصلاح، فلم تؤخذ الخطة بالجدية اللازمة، ووضعت في الادراج من دون النظر الى الجدوى الاقتصادية الحقيقية لهكذا مشاريع. والظريف ان بعض «أبطال» عرقلة طابوريان هم «أبطال» عرقلة باسيل.
واستمر وضع العصي في الدواليب وصولا الى الوزير جبران باسيل الذي تعرض الى كافة الهجمات الشرسة والاكاذيب فيما خص ادارته لملف الكهرباء بدءاّ من إطلاق بروباغندا إعلامية مفادها أنّ وزير الطاقة التابع لتكتل التغيير والاصلاح صرَف مبلغ مليار و200 مليون ولم يُعالج خطة الكهرباء.
وموضوع التعديلات على العقود، وموضوع الـTVA وكلها من نسج الخيال الخصب جداً ولعرقلة الخطط ومنع اي انجاز في مسيرة تكتل الاصلاح والتغيير وخصوصاً في ملف الكهرباء.
ان الخسارة المباشرة جراء الكهرباء تبلغ خمسة ملايين دولار يوميا، فيما الخسارة الاقتصادية اليومية تفوق الخمسة عشر مليون دولار وبالتالي من يعرقل خطة الكهرباء إنما يعرقل أولوية وطنية ولا يعرقل فريقا سياسيا معينا، بل يعرقل بلداً بكامله بات يرزح تحت ضغوط اقتصادية لا تطاق.
ولكن هناك جهات في لبنان لا تريد حل موضوع الكهرباء، وتعتبر ان هناك مشكلة اذا أتى حل هذا الموضوع عن طريق تكتل «التغيير والاصلاح» بعد فشلها على مدى أكثر من 20 عاما. إنّ توقف العمل في معامل انتاج الكهرباء يُكبّد لبنان خسائر أكثر بكثير من كلّ ما تمّ طرحه زوراً.
المطلوب إخراج الحقوق الاقتصادية البديهية للمواطن اللبناني من حلقة التجاذب السياسي وتسجيل الاهداف الوهمية. وكم كنا نتمنى على الحراك المدني الذي أدعمه بكل ما أوتيت من قوة ان يركز على الاهداف الاقتصادية أكثر.
لقد خسر لبنان الكثير وما زال باسم السياسة والحصص والاحتكار ، واغراق لبنان في العتمة لن يأتي لمصلحة احد ، والكارثة الاقتصادية ستكون فاجعة على الجميع من دون استثناء.
في المقابل ما زالت النفايات تلتهم الشوارع في صورة كارثية، ومخاطر بيئية وصحية حقيقية على المجتمع، حيث ان الحرق العشوائي يلوث الهواء والتربة ويترك آثارا مهددة، يأتي ذلك في ظل استمرار حملات تعتيم على طرق التفكك الحراري وتشويهها، والترويج لحلول مثل التصدير التي تكلف مبالغ طائلة من جيب المواطن اللبناني، علما ان هذه الحلول غير المدروسة تأتي لخدمة جهات باتت معروفة،
يبقى الحل الافعل هو اشراك البلديات والقطاع الخاص في الحلول وتحفيزها للمساهمة في معالجة هذه الكارثة البيئية على كل الصعد، والانطلاق بخطة طوارئ سريعة للخروج من الأزمة. وكم كنا نتمنى وجود شروط بيئية واضحة تعتمد على معايير الاتحاد الاوروبي تؤدي الى اقفال الباب امام فلسفات بيئية تبين انها بعيدة من الواقع.
الكهرباء والنفايات هما عنصران من مقومات استمرار المجتمعات، فاذا كان المطلوب الحرص على هذا المجتمع، يجب الانطلاق بخطة وطنية كاملة تتخطى الحسابات السياسية وتسجيل الاهداف.