Site icon IMLebanon

سفارة عوكر تحت الخطر… المارينز عائدون؟

 

خريطة الشرق ترسمها جنازير الدبابات وحاملات الطائرات

 

 

ليست المرّة الأولى التي تصل فيها التظاهرات إلى مدخل الطريق الموصل إلى السفارة الأميركية في عوكر. لا يعرف الغاضبون أين هي السفارة. يحرقون ويدمّرون الممتلكات الخاصة وكلّ ما يرمز إلى أميركا بالتسمية. ولكن في الواقع السفارة الأميركية في عوكر دخلت مرحلة الخطر الحقيقي ليس من خلال التظاهرات، بل من خلال احتمال تعرّضها لاعتداء كبير مدروس، ومن مواقع بعيدة، بعدما أعلن محور الممانعة الحرب على القواعد الأميركية في المنطقة واعتباره أنّ «عوكر» واحدة منها.

لا تشبه الحرب الجديدة التي يخوضها محور الممانعة ضد محور واشنطن وتل أبيب تلك الحرب التي اندلعت في 12 تموز 2006 بين إسرائيل و»حزب الله» في لبنان. عملية أسر جنديين إسرائيليين عند الشريط الحدودي التي نفّذها «الحزب» لا تقارن مع عملية «طوفان الأقصى» التي نفّذتها حركة «حماس» في المستوطنات الإسرائيلية في غلاف قطاع غزة، والتي لا تزال كرة النار التي أشعلتها تتوسع وتمتدّ لتشمل المنطقة كلها.

 

ربّما كان من المخطّط له أن تؤدي عملية «الأقصى» إلى كسر هيبة الجيش الإسرائيلي وأسر عدد من المستوطنين والجنود ليبدأ بعدها التفاوض بين «حماس» وإسرائيل. ولكن حجم العملية جعل النتائج معاكسة بحيث ذهبت إسرائيل إلى الحرب، ووراءها واشنطن وعواصم الغرب، وأقفلت باب التفاوض قبل القضاء على «حماس» وتوسيع دائرة الحرب المحتملة لتشمل «حزب الله» في لبنان في حال تدخّل لنصرة «حماس» التي كان يقاتلها في سوريا قبل عشرة أعوام. ولكن «الحزب»، مع محور إيران، يستبقان الحرب الإسرائيلية بإعلان الحرب على القواعد الأميركية في المنطقة، وببدء العمليات ضدّها من اليمن والعراق وسوريا، ولبنان ليس بعيداً عنها من خلال اعتبار أنّ السفارة الأميركية في عوكر ليست إلا قاعدة أميركية مماثلة لقاعدة عين الأسد في العراق، أو لقاعدة التنف في سوريا وغيرهما. هي حرب مؤجّلة فهل آن أوانها؟

 

من إغتيال مغنية إلى اغتيال سليماني

 

في أول تشرين الأول 2019 وفي مقابلة تلفزيونية، عبر موقع الإمام الخامئني في إيران، هي الأولى له منذ توليه قيادة فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، أكّد اللواء قاسم سليماني أنّ «حزب الله» خلال حرب تموز كان جاهزاً 100% وهو الآن جاهز أيضاً 100% لكن مع قدرات وإمكانات مختلفة». وأكّد أنّ «الكيان الصهيوني كان قد أعدّ خطة للهجوم المباغت هدفها القضاء نهائياً على «حزب الله» وإحداث تغيير ديموغرافي، مستفيداً من عاملين: الأول أن الأميركيين كانوا قد أحضروا إلى المنطقة مئتي ألف جندي، وهذا الوجود يوفر فرصة مناسبة للكيان الصهيوني. وكان من المفترض أن يكون لهذا الوجود تأثيره في إخافة إيران وسوريا وشلّهما بحيث لا تستطيعان القيام بشيء». لفت سليماني إلى «أنّ «حزب الله» مشتبك مع عدو لا يمكن التصالح معه من الناحية العقائدية والمنطق السياسي، والعدو أيضاً لا يريد الصلح مع «حزب الله»، لذلك فإن العداء بين الجانبين عداء مستمر».

 

سليماني أكّد أنه أمضى معظم أيام الحرب في لبنان، وكان يلتقي، بشكل يومي، السيد حسن نصرالله وعماد مغنية. وهو زار طهران مرتين، خلال 33 يوماً، أطلع خلالهما السيد علي خامئني والقيادة الإيرانية على مجرى الحرب. وروى أنه «ذات ليلة كنا في غرفة العمليات، وكان جميع مسؤولي إدارة الحرب في تلك الغرفة العادية. قصف الاسرائيليون المباني المجاورة لنا ودمّروها. حوالى الحادية عشرة مساء، شعرت بأنّ هناك خطراً جدياً يهدّد حياة السيد نصر الله، فقرّرت أن ننقله إلى مكان آخر. تشاورنا أنا وعماد، ولم يوافق السيد إلا بصعوبة، ليس على الخروج من الضاحية، وإنّما من المبنى الذي كنّا فيه بسبب تردّد بعض الأشخاص عليه باستمرار، في وقت لم تكن المسيّرات الاسرائيلية تتوقّف عن التحليق فوق رؤوسنا. انتقلنا الى مبنى آخر لم يكن يبعد كثيراً، وبمجرّد دخولنا إليه حدثت عمليات قصف استهدفت أماكن مجاورة. انتظرنا هناك، فتجدّد القصف ودُمّر جسر مجاور للمبنى الذي كنّا فيه. شعرنا أنّ موجتي القصف ستعقبهما موجة ثالثة قد تستهدف المبنى الذي كنّا فيه، ولم يكن في المبنى سوى ثلاثة أشخاص: أنا والسيد نصر الله وعماد. خرجنا، نحن الثلاثة، من المبنى وكانت الضاحية مظلمة تماماً والصمت يخيّم عليها بالكامل، باستثناء أصوات طائرات الكيان الصهيوني فوق سماء الضاحية. قال عماد لي وللسيد: إجلسا تحت هذه الشجرة. ذهب وأحضر سيارة وعاد بسرعة. ربما لم يستمرّ الأمر أكثر من دقائق. كانت طائرات الـMK تحلق فوق رؤوسنا وتركّز علينا. عندما وصلت السيارة صارت الطائرات تركّز عليها. استغرق الأمر وقتاً حتى استطعنا الانتقال من مخبأ تحت الأرض إلى آخر تحت الأرض، وبعدها الانتقال بهذه السيارة إلى مكان لا يمكن ذكره الآن، من أجل أن نخدع العدو. ثم عدنا حوالى الثانية فجراً إلى غرفة العمليات مجدداً».

 

إغتيال سليماني

 

نتيجة هذه الحرب التي لا صلح فيها اغتالت واشنطن في 2 كانون الثاني 2020، سليماني في غارة جوية بعد خروجه من مطار بغداد عائداً من سوريا بعدما كان زار نصرالله في لبنان. قبل ذلك في 12 شباط 2008 اغتالت إسرائيل عماد مغنية في دمشق بتفجير عبوة ناسفة كانت مزروعة في سيارة إلى جانب سيارته في حيّ كفرسوسة. لم تؤكّد المعلومات المسرّبة حول هذا الإغتيال وجود تعاون بين واشنطن، التي كانت تسعى وراء مغنية للإنتقام منه، وبين الموسّاد الإسرائيلي. وبعدما حُكِيَ عن تعاون بينهما في اغتيال سليماني، كشف، في 12 تشرين الأول الحالي، الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي أصدر قرار الإغتيال، وفي معرض سخريته من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن إسرائيل كانت تعمل مع الولايات المتحدة على تلك الخطة لضرب سليماني، لكنّه تلقى مكالمة هاتفية قبل وقت قصير من تنفيذ الضربة، تُعلمه بأنّ إسرائيل لن تشارك في العملية. وقال: «لن أنسى أبدًا أن بيبي نتنياهو خذلنا… لقد كان ذلك أمراً فظيعاً للغاية».

 

بعد اغتيال مغنية هدّد «حزب الله» وإيران بالإنتقام له. ولكن على رغم مرور 15 عاماً لا تزال إسرائيل تنتظر انتقاماً سيأتي. إذا كان اغتيال مغنية ضربة قاسية في الحرب التي لا سلام فيها بين إيران والحزب وبين أميركا وإسرائيل، فإن اغتيال سليماني كان ضربة أقسى لأنّه كان يدير مغنية و»حزب الله» وعمليات المحور الممانع من العراق إلى اليمن وسوريا ولبنان، وهو الذي بنى هذه الإستراتيجية للمواجهة من خلال تسليح الأذرع الإيرانية في لبنان والمنطقة.

 

جاؤوا أفقياً ويعودون عمودياً

 

في 5 كانون الثاني 2020 عبّر السيد نصرالله عن مدى الفاجعة التي أصابتهم باغتيال سليماني، وهدّد من بيروت بالإنتقام وأعلن حرب التحرير الكبرى وقال: «لم تعد تهديدات ترامب تجدي نفعاً… لا بديل من الردّ على اغتيال القائد قاسم سليماني. ولأنّه ليس في أميركا قائد يصل إلى حذاء سليماني، إن وجودها في المنطقة سيكون الثمن». ووعد «باسم محور المقاومة، جنودها وضباطها المنتشرين في دول المنطقة بالعودة إلى بلدهم في النعوش. ذلك ليس انتقاماً، بل هو القصاص العادل الذي سيجعل تحرير القدس على مرمى حجر».

 

ورسم معالم المرحلة المقبلة، انطلاقاً من «ثابتة أنّ المنطقة بعد الثاني من كانون الثاني لن تكون كما قبله. هو تاريخ فاصل لبداية مرحلة جديدة وتاريخ جديد لكل المنطقة. وعليه، أُعلنُ أنّ كلّ القواعد العسكرية والبوارج العسكرية الأميركية وكل ضابط وجندي أميركي على أرضنا وفي منطقتنا هي أهداف مشروعة للردّ على جريمة الاغتيال، كون الجيش الأميركي هو من قتل وهو من سيدفع الثمن حصراً». وذكّر نصرالله بأن «الاستشهاديين الذين أخرجوا أميركا من منطقتنا في السابق موجودون وأكثر بكثير من السابق، وهم اليوم شعوب وقوى وفصائل وجيوش تملك إمكانات هائلة، وسيخرج الأميركيون مذلولين ومرعوبين كما خرجوا في السابق… إن الجنود سيعودون في النعوش، سيعودون أفقياً بعدما جاؤوا عمودياً».

 

تصفية حساب قديم

 

قد تكون هذه هي معركة التحرير الكبرى التي تحدّث عنها نصرالله. وقد تكون ساعتها قد أتت بعد عملية «طوفان الأقصى». إسرائيل تستعدّ لحرب كبرى جديدة. واشنطن أرسلت حاملات الطائرات والبوارج. دول الغرب تدعم الحرب الإسرائيلية. قطاع غزّة تحت الحصار والتهديد بالقضاء على «حماس» قائم وقيد التنفيذ. «حزب الله» في لبنان يدعم ويدخل الحرب. القواعد الأميركية في الشرق الأوسط تتعرّض للقصف. «حزب الله» يعتبر أن السفارة الأميركية في عوكر ليست سفارة بل قاعدة عسكرية.

 

صحيح أنّ واشنطن ودولاً أخرى طلبت من رعاياها مغادرة لبنان. الأمر نفسه حصل خلال حرب تموز عندما حصلت عمليات إجلاء للأجانب من لبنان بواسطة البواخر وعلى عجل بعد ابتداء الحرب. إسرائيل أعلنت أنّ هذه الحرب ستغيّر خريطة الشرق الأوسط. إيران أيضاً تريد تغيير هذه الخريطة. سبق وهدّدت بإزالة إسرائيل من الوجود. نصرالله أعلن أكثر من مرة أنّ نهاية إسرائيل اقتربت وهي أوهن من بيت العنكبوت، وإنّ عملية «حماس» أظهرت هشاشة هذا الكيان.

 

الكلّ بانتظار بدء تحرك الدبابات التي سترسم جنازيرها هذه الخريطة الجديدة. هل ستكون «قاعدة عوكر» ضمن أهداف محور إيران؟ الإحتمال وارد في حال تدخّلت القوات الأميركية في الحرب دعماً لإسرائيل. التظاهرات ليست ردّاً. واعتداء «الدليفري» ليس على جدول الحسابات وتسديد الفواتير. قد تكون هناك صواريخ موجّهة أو مسيَّرات أو «درونز» للقيام بالمهمة وإيصال الرسائل. السيد حسن نصرالله ذكّر بالعمليات الإنتحارية ضدّ الأميركيين في لبنان، من سفارة عين المريسة إلى مقر المارينز إلى سفارة عوكر. بين واشنطن و»الحزب» حساب قديم جديد لا يمكن أن يُقفَل. ألم يقل سليماني إنها حرب عقائدية لا صلح فيها؟ ألا يؤكد نصرالله على هذا الكلام؟

 

عام 1958 نزلت قوات المارينز في بيروت لإنهاء الثورة ضد الرئيس كميل شمعون وتأمين انتخاب الرئيس فؤاد شهاب، ثم غادرت بعد إنجاز المهمة. عام 1982 عاد المارينز إلى بيروت بعد الإجتياح الإسرائيلي وغادروا تحت النار بعد تفجير مقرّهم على طريق المطار. هل هم على موعد اليوم مع عودة ثالثة إلى لبنان بعد عودتهم القوية إلى المنطقة ودخولهم الحرب وتهديد سفارتهم في عوكر؟ كل الإحتمالات واردة.