Site icon IMLebanon

الورقة “العونيّة”: تغيّر القالب… لا القلب

 

لا ضرورة لإخضاع مواقف رئيس الجمهورية ميشال عون في ما خصّ مسألة الصراع مع إسرائيل ودور المقاومة، للاختبار. مواقفه موثّقة بالصوت والصورة، وحتى بالورقة والمستند. لا بل أكثر من ذلك، سبق لها أن خضعت لامتحان ميداني خلال حرب تموز 2006، خرج منها العونيون بشهادة “جدارة” من حليفهم في “وثيقة مار مخايل”.

 

إذاً، لا داعي لرصد البيان الصحافي اليومي الصادر عن رئاسة الجمهورية، للتدقيق بين سطور ما سيدلي به رئيس الجمهورية تعليقاً على الاعتداء الاسرائيلي الجديد على الضاحية الجنوبية. أن تؤكد الرئاسة الأولى أنّ “لبنان يحتفظ بحقه في الدفاع عن نفسه لأن ما حصل هو بمثابة إعلان حرب يتيح لنا اللجوء إلى حقنا في الدفاع عن سيادتنا واستقلالنا وسلامة أراضينا”، هي مسألة محسومة بنظر عارفي الرئيس عون، ولا تثير أبداً الاستغراب أو التساؤل.

 

قد تحيط علامات الاستفهام موقف رئيس الحكومة سعد الحريري من هذا الاعتداء، وهو الذي سبق له ولفريقه كما لحلفائه أن خاضوا معارك شرسة تحت عنوان تسليم سلاح “حزب الله”، وها هو اليوم ينضم إلى قافلة تحميل اسرائيل “المسؤولية الكاملة عن اعتدائها غير المبرر وغير المسبوق على منطقة سكنية مأهولة في ضاحية بيروت منذ العام 2006، إضافةً إلى خرقها المتكرر للقرار الدولي 1701″… ولكن مع العهد العوني، الموقف غير قابل للجدل، ولا يحتاج إلى “كاتالوغ” الاستراتيجية الدفاعية.

 

حتى لو ان الرئيس نفسه أثار الشكوك حول موقفه من هذه الاستراتيجية بقوله أمام الصحافيين قبل نحو أسبوعين، إنّ “كل مقاييس الاستراتيجية الدفاعية التي يجب أن نضعها، قد تغيّرت. فعلى ماذا سنرتكز اليوم؟ حتى مناطق النفوذ تتغيّر. وأنا أول من وضع مشروعاً للاستراتيجية الدفاعية. ولكن هل لا يزال صالحاً إلى اليوم؟”.

 

سبق للجنرال أن قدّم ورقته المكتوبة للاستراتيجية في تشرين الثاني من العام 2008، اعتبر فيها أنّ “الاستراتيجية الدفاعية تتسم بشمولها كل مؤسسات الدولة ومواردها لتتمكن من العمل ضمن آليات متكاملة تعتمد على مركزية القرار ولامركزية التنفيذ”، مشيراً إلى أنّ “الوحدة الوطنية هي ثابتة تبنى عليها الاستراتيجية الدفاعية، وهي ضرورة للبنان كما هي ضرورة أيضاً لبلدان العالم كلها مهما اختلفت مكوّنات مجتمعاتها”.

 

وحدّد الأخطار التي تهدد لبنان بنوعين: الأخطار الداخلية الأمنية: الإرهاب، الوجود المسلح الفلسطيني بشقّيه، خارج المخيمات وداخلها، الميليشيات اللبنانية المسلحة، والأخطار الخارجية العسكرية: إسرائيل وأطماعها في لبنان، محاولة إسرائيل نزع سلاح المقاومة للسيطرة على القرار اللبناني، رفض إسرائيل عودة الفلسطينيين وفرض التوطين.

 

ولفت إلى أنّ معالجة الاخطار العسكرية الخارجية تقوم على أساس “الردع على تكوين قوتين، الأولى من الجيش النظامي، والثانية من المقاومة، وتكونان قادرتين على تحميل العدو خسائر تفوق طاقته على تحمّلها، وذلك باعتماد أسلوب قتال بوحدات صغيرة تستطيع التخفي والاحتماء، ولا تشكل أهدافاً مهمّة للطيران، بالإضافة إلى تكوين جهاز دفاع جوي حديث”.

 

أما “قوى المقاومة فتتألف من السكان، لذا يجب أن تغطي هذه القوى الأراضي اللبنانية كلها؛ فإمكان الإنزال لدى العدو متوافر في كل الأماكن والأوقات، ولا يمكن قياس ما سيحدث في حرب مستقبلية على ما حدث في حرب تموز؛ فشواطئنا مفتوحة وأجواؤنا مكشوفة، لذا يجب التخطيط لكل الحالات المتوقعة”.

 

إذاً، ترتكز الرؤية العونية للاستراتيجية الدفاعية على أساس ركيزتي الجيش والمقاومة. ولذا فإنّ سؤال الرئيس عون عن مدى صلاحية الورقة في الظروف الراهنة، لا ينتقص أبداً من جوهر الاستراتيجية، لكنه يسلّط الضوء على الظروف التي تغيرت بعد أكثر من عشر سنوات على وضعها.

 

يقول العونيون إن التساؤلات التي طرحها رئيس الجمهورية لا تعني أبداً سقوط الحاجة إلى الاستراتيجية الدفاعية، ولكنها تستدعي تعديلها بشكل يناسب التطورات والمتغيرات، وهذه ليست بقليلة.

 

يضيفون إنّ تغيّر موازين القوى في المنطقة، كما الوضع في سوريا بعد سنوات من الحروب والاقتتال، ودخول لاعبين دوليين إلى الساحة وخروج آخرين، كلها عوامل تدفع إلى اعادة النظر بـ”آليات” الاستراتيجية وليس في مضمونها. كما أنّ تغيّر طبيعة النزاعات العسكرية ونوعية الأسلحة المستخدمة ودخول التكنولوجيا على الخط ليكون السلاح المستخدم ما يضعف من فعالية العنصر البشري، من شأنه أيضاً أن يدفع إلى البحث عن بدائل يفترض أن تلحظها الاستراتيجية.

 

ولذا يؤكدون أنّه حين وضع “التيار الوطني الحر” ورقته كانت الحرب العسكرية كلاسيكية الطابع، “بينما لاحظنا بالأمس أنّ “مسيّرة” محدودة الحجم كانت كافية لتنفيذ الاعتداء في قلب الضاحية الجنوبية. وهذا ما يفترض أخذه بالاعتبار لتطوير الاستراتيجية. وهذا ما قصده الرئيس ميشال عون في كلامه”.

 

الأهم بالنسبة إلى العونيين، هو أنّ “الأحداث الأخيرة جوبهت بشبه إجماع لبناني قلّ نظيره، ينمّ عن إدراك القوى السياسية على اختلافها، أنّ الإسرائيلي قرر كسر قواعد اللعبة التي كرستها حرب تموز 2006، وبالتالي إنّ الاعتداء على الضاحية له رمزيته في هذا المسار، ولهذا سارعت السلطة السياسية إلى التعبير عن رفضها لما حصل في موقف متجانس من شأنه أنّ يقوي الموقف الرسمي”.

 

وبعد هذا كله، يؤكد العونيون أنّ الدعوة إلى طاولة حوار تطرح الاستراتيجية الدفاعية، تحتاج إلى ظروف هادئة، فيما نحن اليوم على شفير التوتر…