تكثفت الإتصالات في الساعات الأخيرة من أجل الولوج إلى حلّ لعقدة “الثنائي الشيعي” والتي تتمثل بالإصرار على تسمية وزارة المال والوزراء الشيعة الآخرين. فعل الضغط الفرنسي فعله وحرّك المياه الراكدة حكومياً، لكن كل هذا التحريك لم يصل الى نتيجة تؤكّد أن ولادة الحكومة باتت جاهزة، لأن العراقيل ما زالت مستمرة ولا يوجد جو إقليمي ودولي يساعد على إنجاز التشكيلة الحكومية.
لا شكّ أن الصراع السني – الشيعي المشتعل منذ سنوات يفعل فعله في البلاد ويطغى على كل الملفات، وقد ظهرت العقدة الحكومية على أنها بين الثنائي الشيعي ونادي رؤساء الحكومات السابقين، ويلاحظ الجميع أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يتعامل مع الملف الحكومي هذه المرّة بحذر شديد، وهو الذي كان منذ عودته إلى لبنان في 7 أيار 2005 يعقّد أمور التأليف ويعطّلها منذ أن كان رئيساً لتكتل “التغيير والإصلاح”، وذلك من أجل توزير صهره جبران باسيل.
وإذا كان هناك نصف اتفاق سني – شيعي على الإحتفاظ بوزارة المال وإبقائها ضمن الحصة الشيعية إلا أن عون لم يقل كلمته بعد حسبما أوحت أجواء الأمس، لكن المؤشرات تدل على أن تنازل الرئيس سعد الحريري ورضاه بعدم السير بمبدأ المداورة الشاملة قد فتح ثغرة في جدار الحل، وتبقى كلمة الفصل للرئيس عون. وفي السياق، فان الأمور رهن بتطورات الساعات المقبلة، حيث ينتظر الجميع أن يقدّم الرئيس المكلف مصطفى أديب تشكيلة حكومية إلى عون ليدرسها ويبني على الشيء مقتضاه. ويتسلّح عون بالدستور الذي ينصّ على أنّ تشكيل الحكومة يحصل بالإتفاق بين رئيسي الجمهورية والحكومة، حيث لا يزال الأول يحتفظ بأهم صلاحية لديه وهي التوقيع على مراسيم تشكيل السلطة التنفيذية، وإذا عارض الرئيس هذا الأمر فان أي حكومة لن تؤلف ما لم يكن موافقاً حتى لو كان الفريق الذي يشكلها يملك الأغلبية البرلمانية.
ولا يغيب عن حسابات القصر الجمهوري أن الوضع يذهب إلى مزيد من التدهور في حال استمرت عرقلة التأليف وقد قالها عون شخصياً باننا ذاهبون إلى “جهنم” في حال استمرت العرقلة.
ومن جهة ثانية، يحاول عون الموازنة بين ضرورة تأليف الحكومة وإعطاء زخم للمبادرة الفرنسية وعدم عرقلتها وبين الحفاظ على صلاحياته الدستورية، إذ إن البعض يرفض أن يؤلّف الثنائي الشيعي ونادي رؤساء الحكومات السابقين الحكومة في حين أنه يتوجب على رئيس الجمهورية الإمضاء عليها فقط، وبالتالي فان التأكيد أن عون “لن يوقع على بياض” ويسير في تشكيلة تكون محاصصة بين فريقين ويرمى بقية الأفرقاء خارجها تحت ستار تأليف حكومة إختصاصيين.
ويريد القصر الجمهوري ان تصل المبادرة الفرنسية إلى خواتيمها السعيدة نظراً لما فيها من خير ومصلحة للبنان، لكن الأساس يبقى ألا ينظر أحد إلى المبادرة على أنها فرصة للإستئثار بالحكم مجدداً أو أنها مناسبة لإبراز العضلات وتثبيت لعبة جديدة، وبالتالي فان مبادرة ماكرون قد تكون حينها قد أفرغت من مضمونها.
ولا يزال القريبون من عون يؤكدون حتى الأمس التمسك بمبدأ المداورة الذي يجب أن يسري على الجميع، حتى إن الرئيس قد طرح مبدأ عدم حصر الحقائب السيادية بالطوائف الأربع مع الحفاظ على التوازنات الطائفية الكبرى، من هنا يطرح السؤال: هل يتخلى عون عن مبدأ المداورة لإرضاء الثنائي الشيعي وعدم عرقلة المبادرة الفرنسية أو إنه سيطالب بحصة كما يطالب كل من يعمل على خط التأليف؟