أما وقد شَمَّعَ لقاء بعبدا الحواري خيطه على اللاشيء واللاجدوى، مُتمخّضاً عن بيان أُعِّدَ سلفاً، يقود الى الغرق أكثر فأكثر في سياسة “كمّ الأفواه”، بمواجهة إحتجاجات الجوع والفقر وتدهور سعر الليرة، ومُصادرة السيادة لمصلحة المِحور.
ليس أهمّ ما في اللقاء الإستعراض الذي قدّمه “بيّ الكل”، والذي لم يحمل في طياته أي رؤية إنقاذية بمواجهة “الأمواج العاتية”، مُطالباً بوحدة، قِوامها إلغاء الذين ارتضوا بالتسوية شرط المشاركة، وإمحاء كل ما حصل منذ استبعاده عن جنّة الحكم، ليعود بقارب الزمن الى الوراء، وتحديداً الى لحظة أرغمه قصف النظام الأسدي على الهروب من “قصر الشعب” أواخر الثمانينات… ويستكمل من هناك الى هنا..
أيضاً، ليس أهمّ ما في اللقاء الإنجاز الجديد الذي يُسَجَّلُ في خانة “شيخ اللجان”، المُصرّ على سرقة وجع الناس وصرخاتهم في خطاباته الدونكيشوتية، من دون أن يضرب ضربة واحدة في جسد المعالجات الفعّالة. ولن يضرب، لأنّ الأمر يتجاوز قامته وطاقته وصلاحياته.
الجُملة الوحيدة المفيدة التي يُمكن البناء عليها في لقاء بعبدا، جاءت على لسان رئيس كتلة “حزب الله” البرلمانية محمد رعد، الذي اعترض على محاولة إحياء رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان “إعلان بعبدا” القاضي بالنأي بالنفس، جازماً بأن “لا حكمة في العودة الى الماضي”.
هنا بيت القصيد. المطلوب الرضوخ والإستسلام لما نحن فيه اليوم. بالتالي الإقرار بأن لا سيادة الا سيادة مُتطلّبات مِحور المُمانعة، الذي يستغلّ ما تبقّى من مُقتدرات الدولة اللبنانية لتمويل نفسه وحروبه والأنظمة التي يرعاها ويُبقيها في مواقعها، ولو جثة هامدة.
“لا حكمة في العودة الى الماضي”، إلا للتمويه عن أصحاب الجوع العتيق، الذين يُغطّي وجوده بورقة تفاهمهم، وللتعمية عن النهب المُمهنج للمواد الأولية المدعومة من الخزينة اللبنانية، وتبرير تداعيات تنفيذه أجندة مِحوره بـ”30 سنة من التراكمات والسياسات الخاطئة”، على طريقة جوزيف غوبلز، وزير الدعاية السياسية للقائد النازي أدولف هتلر … و”إكذب… إكذب… حتى يُصدّقك الناس”. حينها، تموت الحقائق ومعها الإنجازات الفعلية في النصف الأول من الـ”30 سنة”، سواء لجهة نسب النمو وحجم الدين العام، والتحايل على الإحتلال السوري للسير في مشاريع شاهدة على هذه الإنجازات، من خلال بناء جامعة وطنية ومستشفى حكومي ومطار دولي وشبكة طرق ودعم وتشريع للمقاومة بوجه إسرائيل، و..و.. والأهمّ سُمعة طيبة في المحافل الدولية والعربية، وثِقة بقُدرة هذا البلد على النهوض، بالرغم من كل الأثقال الموروثة مع تلبية أطماع زعماء الحرب الأهلية بعد دخولهم الى الدولة… وفوقهم أزلام الوصاية السورية.
أيضاً، “لا حكمة في العودة الى الماضي”، وتحديداً الى النصف الثاني من “30 سنة”، وما يحمله من إغتيالات وحروب داخلية وخارجية وتعطيل للدستور، بُغية تحقيق بنك أهداف استراتيجية المِحور المُشغّل. إدفنوا المحكمة الدولية.. لا حكمة منها فهي تُثير الفتنة. إدفنوا القرارات الدولية ومطالب حصر السلاح بالدولة اللبنانية وترسيم الحدود وضبطها.
واتركونا نعمل وِفق ما نراه لبوس المرحلة… فننسف الدستور لنُفصّله على قِياسنا.. وإلا.. سنُلبِسكم ثوب العمالة لإسرائيل.
هذا هو حجم الحكمة التي تفترض طيِّ الماضي القريب، حتى لو كان الثمن أن يصبح لبنان كلذه من الماضي.