كانت لافتة زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لليرزة، لكنّ المميّز فيها هو توقيتها، حيث شاهد مباشرة إحدى العمليات النوعية التي نُفّذت في جرود عرسال ورأس بعلبك.
لم تكن زيارة عون لليرزة ولقاؤه قائد الجيش العماد جوزف عون أمس الأول وليد مصادفة، بل إنّ البارز فيها أنها أتت للإطلاع عن كثب ومن غرفة عمليات قيادة الجيش على العملية التي نفذتها الطائرات والمدفعية في جرود رأس بعلبك وعرسال، وبالتالي فإنّ هذا الأمر له دلالات عدّة من المنظور السياسي والعسكري.
عون كان سابقاً قائداً للجيش اللبناني، وله تاريخ طويل في المعارك والمواجهات الحربية الطاحنة، ومن أهمها «حرب التحرير» التي أطلقها في 14 آذار 1989 ضدّ الجيش السوري، وفي هذا الإطار يعرف عون جيداً حاجات الجيش والظروف التي يمرّ بها عند كل استحقاق مفصلي والأخطار التي تحوط بالجنود المرابطين على الحدود.
وفي قراءة ثانية، فإنّ هذه الزيارة تأتي للمرة الأولى منذ انتخابه رئيساً للجمهورية، فهو دخل أمس الأول اليرزة رئيساً للجمهورية وليس قائداً للجيش أو رئيساً لتكتل «التغيير والإصلاح»، وهذا الأمر يعطي دفعاً قوياً للمؤسسة العسكرية التي تقاتل على الحدود وتحمي الامن والاستقرار الداخلي.
أمّا النقطة المهمة أيضاً، فهي أنّ رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الخاضعة لسلطة مجلس الوزراء، وكان يؤخذ على الرؤساء المتعاقبين، خصوصاً بعد «اتفاق الطائف»، أنّ هذه الصفة هي نظرية أكثر ممّا هي عملية، أي أنّ سلطة الرئيس على الجيش محدودة جدّاً.
لكنّ عون، ومنذ ما قبل انتخابه رئيساً، كان يصرّ على استعادة صلاحيات الرئاسة الأولى، ومنذ انتخابه يظهر في مظهر الرئيس القوي، الذي وعلى رغم أنّ «اتفاق الطائف» نقل معظم صلاحياته الى مجلس الوزراء مجتمعاً، ما زال قادراً على التصرّف، وهذا ظهر فعلياً عندما استعمل المادة 59 من الدستور اللبناني، وعلّق عمل مجلس النواب شهراً، في سابقة تحدث للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية اللبنانية حيث لم يستعمل أيّ رئيس هذه المادة حتى عندما كانت «المارونية السياسية» متحكّمة بمفاصل اللعبة الداخلية عبر رئيس الجمهورية بالدرجة الأولى.
هذا من المنظور السياسي والدستوري، أمّا من الناحية العسكرية، فتأتي الزيارة في وقت كان يتمّ التحضير لضرب أهداف لـ»داعش» و«جبهة النصرة» في جرود عرسال ورأس بعلبك، وهذا يعني أنّ الرئيس مطّلع على أدق التفاصيل العسكرية، فقد زار اليرزة وتابع الغارات من غرفة العمليات عبر تقنيات النقل المباشر.
وتؤكد مصادر عسكرية أنّ هذا الأمر يعني أنّ الجيش مرتاح الى وضعه كثيراً، ويستطيع ان يحدّد أهدافه بدقة، وتصله المعلومات الدقيقة لحظة بلحظة عن تحركات المسلحين، ولذلك استطاع عون وقائد الجيش ووزير الدفاع يعقوب الصراف الإطلاع على العملية مباشرة فور حدوثها، وهذا أمر صعب جداً في المعارك أو في الظروف غير العادية، لأنّ أحداً لا يعلم كيف سيتحرّك العدو وفي أي نقطة، والوقت المحدّد لرصده، خصوصاً انّ من بين الضحايا قيادات بارزة في صفوف المسلحين، بعدما أصابت صواريخ الطائرات والمدفعية قلب الهدف.
هذا بالنسبة الى زيارة عون لليرزة، لكن وفي المعلومات الأمنية التي توافرت لـ «الجمهورية» أنّ الأميركيين أبلغوا الى القيادة اللبنانية أنّ طائرات «سوبر توكانو» ستسلّم الى لبنان في أيلول المقبل، وكل شيء يسير حسب الإتفاق، وهذه الطائرات تجهّز لتقوم بمهماتها، «خصوصاً أننا دخلنا مرحلة القضاء على التنظيمات الإرهابية وللبنان دور كبير في هذا المجال بعدما أثبت أهليته ونجاحه الأمني والاستخباراتي في حروبه الحدودية».
ولذا، يرى معنيون أنّ القرار السياسي بات واضحاً جداً، ولا مجال للمساومة على دور الجيش في معركة الدفاع عن الدولة والشعب، وهذا الأمر من مسؤوليته وحيداً، وكمؤشر على تدعيم الجيش وتجهيزه، أتى قرار مجلس الوزراء بتطويع 2000 عنصر لزيادة عديده في مواجهة التحديات المقبلة.