لا ييأس بعض السياسيين من خوض معارك، على كل فاصلة ونقطة، في كل ملف كبير أو صغير، متيسِّر أو متعثر، أو مجمّد بدرجة صقيع جليد سيبيريا.
تستهويهم لعبة تسجيل النقاط، والرهان على المفاجآت، وتحديد مواعيد إقتناصها وصرفها في حسابات داخلية.
رهان على تمسّك “حزب الله” بترشيح العماد ميشال عون للرئاسة، ورهان على قطع الرئيس سعد الحريري قالب حلوى للعماد عون في عيد ميلاده السنة الماضية، ورهان على غطاء سعودي لترشيح الحريري النائب سليمان فرنجية، ورهان على تبنّي الدكتور سمير جعجع ترشيح عون.
ورهان على عشاء السفير السعودي علي عواض عسيري ومشاركة عون، ورهان على توافق نفطي بين الرئيس نبيه بري وعون، ورهان على مسعى جعجع إقناع الحريري بخيار عون للرئاسة، ورهان على زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الى لبنان، ثم زيارة وزير خارجيته، ورهان على حسم “الثلثاء” العسكري في سوريا، ثم الحسم في حمص، والآن على الحسم في حلب، وقبل كل ذلك رهان على الإتفاق النووي بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران.
كل هذه الرهانات لم تكن سوى حبّات منوّمة أو مهدّئة. لم تفتح أي ثغرة في جدار أزمة تعطيل الإنتخابات الرئاسية. ومع ذلك لم يقتنع كثيرون أن هناك من يقطع طريق بعبدا بسواتر من الباطون المسلّح، ولم ييأس البعض من مواصلة الرهان.
دخلت المنطقة في مرحلة تجميد المبادرات والبحث عن حلول سياسية، ودخل معها لبنان في ثلاجة الإنتظار. لا أحد يريد حرق أوراقه أو تقديم هدايا لإدارة أميركية في أسابيعها الأخيرة. رفضت موسكو طلب وزير الخارجية الأميركي جون كيري الضغط على النظام السوري لوقف الغارات الجوية على المعارضة المعتدلة، والعودة الى طاولة المحادثات في جنيف.
بالعكس، تقدّمت قوات النظام السوري مدعومة من الروس جواً ومن حلفاء إيران والأكراد براً، وخرقت الخط الأحمر في حلب في حصار يشكّل نقطة تحوّل رئيسية في مجرى الحرب. ويرى قادة هذا المحور، في الوقت الضائع الأميركي، وإنشغال تركيا بتطوّراتها الداخلية الدراماتيكية، وتركيز أوروبا على أمنها، فرصة نادرة قد لا تتكرر لتحقيق انتصار عسكري حاسم في حلب يقلب كل التوازنات والحسابات.
في هذه الأجواء، يدور رهان جديد في لبنان، على تفاوض دراماتيكي متجدِّد، وهو قطع شوطاً بعيداً عبر موفدين، من أجل رسم تفاهُم بين المعنيين على انتخاب رئيس وعلى مرحلة ما بعد الرئيس، خلال فترة قريبة.
ومن شأن هذا التفاهم أن يُحدث زلزالاً، في حال إعلانه، لا يمكن لأحد توقّع نتائجه وارتداداته، فيما تدفع طهران بمزيد من ضباطها وخبرائها وأسلحتها الى ميادين القتال في محاولة لتأمين مصالحها وترسيخ نفوذها في شرق أوسط يتمّ تفكيكه وإعادة ترتيبه بما يتلاءم مع مصالح الولايات المتحدة وروسيا.
وهذا ما لم ينفه رئيس الإستخبارات الأميركية جون برينان بقوله في منتدى أسبن الأمني في ولاية كولورادو نهاية الأسبوع الماضي، “لقد أريق كثير من الدماء، لا أعلم إن كنّا سنستطيع أن نعيد سوريا الموحدة لسابق عهدها أم لا”.
وفي لبنان هناك من يشارك في صنع أحداث المنطقة، سلباً أو إيجاباً، وقد يخسر أو يربح، وهو ليس في وارد الدخول في “تسوية جزئية” في هذه المرحلة حتى لو أتت بأقرب المقربين منه للرئاسة، لكن آخرين لا يملكون غير الإنتظار في لعبة زادتها الغرف السوداء غموضاً وتعقيداً، وغرقَ فيها كبارٌ وصغار.