بات الجميع، في أكثر من أي وقت مضى، يشدّد على ضرورة الالتزام بإعلان بعبدا بحيث تبين جلياً أنّه ضرورة ملحة لما يتضمنه من عناوين من شأنها أن تحفظ سيادة البلد وتحصّن ساحته الداخلية من خلال الشرعية بكامل مؤسساتها العسكرية والإدارية، وبالتالي إن سياسة النأي بالنفس أيضاً أثبتت جدواها في كل المراحل خصوصاً أن للبنان ظروفاً سياسية مرتبطة بالمسارين الداخلي والإقليمي، وهذا ما يبقي هذه السياسة مطلباً أساسياً في ظروف استثنائية يجتازها لبنان والمنطقة.
من هنا، فإن ما جرى من تعليقات وردود حول القمم العربية في مكة رداً على كلمة رئيس الحكومة، وصولاً إلى الاستحقاقات الأخرى من الحرب السورية وترقب ما ستؤول إليه صفقة القرن وما يطبخ إقليمياً ودولياً، فإن لبنان لن يكون بمنأى عن هذه الأوضاع ما يتطلب ويستدعي الالتفاف والتوافق اللبناني حول الدولة والحكومة والمؤسسات العسكرية والرسمية بكل أجهزتها ومرافقها.
إذ عُلم من مصادر سياسية متابعة أن المنطقة مقبلة على عواصف سياسية وأمنية، وبالتالي لن يكون لبنان بمنأى عنها نظراً لما يحصل على ساحته الداخلية من انقسامات وخلافات وعلاقات مباشرة سياسية وأمنية ومادية لبعض تياراته وقواه السياسية مع دول إقليمية، وبمعنى آخر إن صفقة القرن باتت جدية أكثر من أي وقت مضى إذ تؤسس لمرحة تحمل الكثير من التحولات والمتغيرات، وبالتالي إن تداعياتها وانعكاساتها على الداخل اللبناني ستكون باهظة الثمن في حال بقيت الساحة الداخلية هشة كما هي الحال اليوم في سياق ما يجري من تصعيد سياسي وانقسامات عامودية لم يسبق أن حصلت حتى في ظروف أشد وطأة مما هي عليه اليوم.
وفي غضون ذلك، ما يحدث في المنطقة بات أمراً خطيراً ينبئ بتحولات وتطورات دراماتيكية لا سيما على الساحة الفلسطينية في ضوء تغيير وجهها من خلال حصول أمر ما شبيه بسايكس بيكو، وبالتالي إن التوطين أضحى أمراً جدياً من خلال التقارير الديبلوماسية والسياسية وما يتناقله المسؤولون اللبنانيون من أن هذه المسألة وكأنها على الأبواب، وما زاد الطينة بلة يتمثل بأزمة النازحين السوريين وأعدادهم الكبيرة وسط تساؤلات عما يمكن أن يحصل لهذا الملف الذي لم تحرك الدول الأوروبية وعواصم الدول الكبرى ساكناً تجاهه، ما يوحي بأن لبنان أمام أزمات متفاقمة، ومن هذا المنطلق فإن الأمر الذي من شأنه أن يحصن البلد في مواجهة هذه الأحداث إنما هو وحدة الصف الداخلي والعودة إلى إعلان بعبدا واعتماد سياسية النأي بالنفس وأن يكون رفض التوطين على أعلى المستويات بما يتضمنه من شجب وإدانة والتواصل مع المجتمع الدولي بشكل فاعل لأن في هذه المرحلة ثمة تمريرات إقليمية ودولية لأي ملفات فيها متغيرات جيوسياسية، وعلى هذا الأساس فإن الوضع اللبناني في غاية الدقة أمام هذا التحول غير الطبيعي على المستويين الإقليمي والدولي.
وأخيراً، يرتقب وأمام هذه الأجواء أن تنشط المساعي على الساحة المحلية لإزالة غبار العواصف السياسية التي كادت تودي بالتسوية الرئاسية وكل الخطوات والإنجازات التي تحققت، وبالتالي الخوف أن تفرمل هذه العواصف انطلاقة الحكومة بعد هذا الوقت الطويل لإقرار الموازنة، مما يؤشر إلى معرفة وثيقة من جميع القوى السياسية بأنه وفي حال استمرار الأمور على ما هي عليه فإن البلد ذاهب إلى المجهول، لذا الأيام المقبلة ستكون مفصلية على غير صعيد.