Site icon IMLebanon

حوار بعبدا… غطاء سياسي لخطوات إصلاحية

 

إلتئم البارحة رؤساء الأحزاب والكتل النيابية اللبنانية في إجتماع ترأسه رئيس الجمهورية ميشال عون وحضره الرئيسان نبيه برّي وسعد الحريري وحضور عدد من الوزراء وحاكم مصرف لبنان ورئيس جمعية المصارف. وكان الرئيس عون إفتتح الجلسة بكلمة شدّد فيها على أهمية التعالي على الإنقسامات في هذه الظروف الإقتصادية والمالية الصعبة وبالتالي هناك ضرورة لإتخاذ خطوات وإجراءات مسؤولة وموضوعية تؤدّي إلى بدء مرحلة النهوض. ولحظ إلى أن هذه الخطوات تستكمل ما إنطوت عليه ميزانية 2019 وتُمهدّ لميزانية العام 2020 مُشدّدًا في نفس الوقت على أن التضحية مطلوبة آخذين في عين الإعتبار واقع الفئات الشعبية والفقيرة في مجتمعنا.

 

لم يصدر أي بيان مكتوب عن الإجتماع الذي دام قرابة الأربع ساعات، لكن الرئيس الحريري ألقى كلمة أمام الصحافيين قال فيها أنه تم التوافق على اعلان حال طوارئ اقتصادية والتأكيد على استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية مع متابعة مقرّرات إجتماع بعبدا المالي الإقتصادي الذي جرى في 9 آب الماضي مع إقرار إطار مالي متوسّط الأمد. وأضاف أنه تمّ الإتفاق على الالتزام بتطبيق دقيق لموازنة 2019 واقرار موازنة 2020 بفائض لا يقل عن 3% والتأكيد على منع التوظيف في القطاع العام والعمل على نظام تقاعدي. كما صرّح أنه سيتمّ تشكيل غرفة عمليات لمُشكلة المعابر وسيجري العمل على تقليص حجم الدين العام من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص. كما تمّ الإتفاق على تشكيل لجنة طوارئ إقتصادية يدعوها الرئيس عون متى يشاء دون أن نعرف إذا ما كانت وزارية أو من إقتصاديين أصحاب إختصاص.

 

التصريحات من هنا وهناك تُشير إلى أن المُجتمعين قرّروا عدم المسّ بالرواتب كما أن لا ضريبة على البنزين ولا رفع للضريبة على القيمة المضافة كما أكّد النائب محمّد رعد. إلا أن المعلومات تقول أن هذا الأمر غير محسوم نظرًا إلى أن الإيرادات ونوعها تُركت لموازنة العام 2020 أي بمعنى أخر أن عجز الموازنة هو الذي سيُحدّد إذا ما كان هناك إجراءات من هذا النوع أو لا.

 

الورقة التي أعدّها رئيس الجمهورية ميشال عون وعرضها على المُجتمعين تضمّنت أكثر من 45 نقطة مع وصف للواقع الحالي بالأرقام من عجز في الموازنة، عجز الميزان التجاري، عجز الحساب الجاري، تراجع التدفقات المالية، صعوبة تمويل الدولة بالعملات الصعبة، إنخفاض حجم الإستثمارات الأجنبية المباشرة، إرتفاع أسعار الفائدة، وضعف معدّل النمو الإقتصادي. وكانت إشارة إلى أن هناك تناقصاً تراكمياً لصافي الموجودات الخارجية مما يُشكّل مصدر قلق من الإعتماد على التمويل من التدفقات الخارجية في ظل تراجع الإنتاج وتزايد الهجرة والبطالة. وتقترح الورقة مقاربة مبنية على ثلاثة محاور:

 

أولا ـ تصحيح المالية العامة وضبط الدين العام؛

 

ثانيًا ـ معالجة الخلل في الحساب الجاري؛

 

ثالثًا ـ بناء إقتصاد منتج تنافسي وإحتوائي، يُحقّق نموًا مستدامًا بمعدّلات مُرتفعة.

 

وتقول الورقة أن هذا الأمر يحتاج إلى قرار سياسي موحّد وخطة وطنية لمكافحة الفساد والهدر وإصلاح الإدارة العامة وحوكمة رشيدة وتضامن قوى الإنتاج حول مشروع إنقاذي يفتح آفاقًا جديدة على الصعد المالية، الإقتصادية والإجتماعية.

 

وتقترح الورقة خطوطًا عريضة موزّعة ضمن العناوين التالية:

 

السياسة المالية

 

تقترح الورقة البت بحسابات الدوّلة النهائية من خلال إنجاز قطوعات الحساب، إعداد مشروع موازنة 2020 ضمن المهل الدستورية، تخفيض العجز المالي المُحقق إلى 6.5% من الناتج المحلّي الإجمالي في العام 2020 على أن يصل إلى 4% في الـ 2022، خفض الإنفاق الجاري وخصوصًا الكهرباء وخدمة الدين العام والمواد الإستهلاكية، زيادة الإيرادات من خلال تحسين الجباية ومكافحة التهرب الضريبي والتهريب الجمركي، إصلاح النظام الضريبي، وتحصيل المتأخرات المتراكمة على المكلفين.

 

على هذا الصعيد تُوصي الورقة بإجراء مناقصات عمومية لشراء المحروقات لمؤسسة كهرباء لبنان والإلتزام بسقف تحويل 1500 مليار ليرة لبنانية في العام 2020 مع التشديد على تنفيذ خطّة الكهرباء من دون تأخير. والأهمّ أن الورقة تقترح تجميد زيادة الرواتب والأجور لمدة 3 سنوات مع الإحتفاظ بالحقوق، تشكيل لجنة لإصلاح النظام التقاعدي، زيادة الحسومات التقاعدية من 6 إلى 7% للعاملين في القطاع العام مع زيادة الرسوم على السجائر بمعدل 500 ليرة من الإنتاج الوطني و1000 للمستوردة.

 

أيضًا توصي الورقة بإعتماد 3 معدلات للضريبة على القيمة المضافة: 0% على السلع المعفاة حاليًا، 11% على السلغ غير المعفاة والمُعتبرة من غير الكماليات، و15% على السلع المُعتبرة من الكماليات. أضف إلى ذلك وضع حدّ أدنى وأقصى لأسعار البنزين من دون تحديد قيمتها وزيادة الضريبة على الفوائد من 10 إلى 11%.

 

وتقترح الورقة فرض ضرائب على الإمتيازات والأنشطة المُضرة بالبيئة وعلى الإحتكارات ومراجعة كل الإعفاءات الضريبية بالإضافة إلى إعادة النظر بتخمين الأملاك العمومية البحرية وتحصيل أموالها وإخضاعها للضريبة على الأملاك المبنية.

 

وتقترح الورقة تقليص الدين العام من خلال إعتماد الشراكة بين القطاعين العام والخاص أي تشركة مؤسسات عامّة مع القطاع الخاص عبر طرح أسهمها للجمهور. هذا بالإضافة إلى التعاون بين وزارة المال ومصرف لبنان لتحسين السيولة وتخفيض تدريجي لمعدّلات الفوائد. وتخفيض الإنفاق يمرّ بحسب الورقة عبر إعتماد مكننة الإدارات العامة وتطويرها.

 

السياسة الإقتصادية

 

تنص الورقة على تحفيز زيادة الإنتاج من خلال سلسلة إجراءات تقود إلى نموذج إقتصادي «مؤنسن» يرتكز على تطوير إنتاج السلع والخدمات، إعتماد التكنولوجيا بشكل مكثف ومطرد، تحفيز مشاركة النساء، وخلق فرص عمل للبنانيين. كل هذا من خلال مناقشة دراسة ماكينزي، وإصلاح نظام الدعم، المباشرة بتنفيذ المشاريع الضرورية من برنامج الإستثمارات العامة أي سيدر، إقرار خطة مُستدامة لإدارة النفايات، إقرار نظام نقل عام، وضع خطة شاملة لترتيب الأراضي اللبنانية، إنجاز قانون الشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم، إقرار قانون المنافسة وقانون حماية المؤشرات الجغرافية وقانون إنشاء وكالة تنمية للصادرات اللبنانية وقوانين حماية الملكية الأدبية والفكرية وقانون إستعادة الأموال المنهوبة وقانون الصفقات العمومية، وإنجاز الشباك الموحد في الإستيراد والتصدير.

 

معالجة الخلل في الحساب الجاري الخارجي

 

تدعو الورقة إلى التركيز على تصدير الخدمات التي يتمتع بها لبنان بمزايا تنافسية، تشجيع الصادرات من خلال آليات دعم وحماية، تأمين الجو السياسي الملائم، والتشركة في مشاريع البنى التحتية لإستقطاب رؤوس الأموال.

 

السياسة الإجتماعية

 

تقترح ورقة رئيس الجمهورية إقرار نظام تقاعدي وحماية إجتماعية لكل اللبنانيين العاملين في لبنان وذلك في غضون ستة أشهر إلى سنة، إقرار نظام التغطية الصحية الشاملة لجميع اللبنانيين المقيمين في لبنان وذلك قبل نهاية العام 2020، إستكمال مكننة جميع عمليات الضمان الإجتماعي، ووضع سياسة إسكانية تقوم على مبدأ الحق بالسكن ولا تقتصر على تشجيع التملك.

 

العبرة في التنفيذ

 

في الشكل تشمل هذه الورقة كل الإجراءات التي كان من الواجب القيام بها منذ أكثر من عقدين. وعلى الرغم من أن بعض هذه الإقتراحات هي إقتراحات توالى ذكرها في البيانات الوزارية للحكومات المُتعاقبة، إلا أن التجربة أثبتت أن منظومة الفساد والمحاصصة منعت من تنفيذ هذه البنود. لذا يُطرح السؤال الأن عن العوامل التي تغيّرت ليُصبح تطبيق هذه البنود مُمكننًا؟

 

الجواب يأتي على شكل إستنتاج، فعدم تنفيذ هذه الخطوات يعني بكل بساطة أن البلد يتجه إلى الإنهيار وقد قالها الرئيس الحريري أن الحكومة تمتلك هامشاً من ستّة أشهر للقيام بإصلاحات بنيوية. وهذا الأمر يعني أنه في حال سجّلت موازنة العام 2019 عجزًا أكبر من المتوقّع ومن دون القيام بإصلاحات، فإن لبنان ذاهب من دون أدّنى شكّ إلى وصاية صندوقية مع ما يواكبها من إجراءات تليق لها كلمة «موجعة» كما حصل في اليونان أو الأرجنتين.

 

ويبقى القول أن المواطن اللبناني يتلقى كل هذه المعلومات، ينتابه شعور متناقض فهو من جهة مسرور أن هناك إصلاحات ستقوم بها الدوّلة، ومن جهة أخرى هو مُتخوّف من أن تكون هذه الورقة إبرة مورفين نظرًا إلى التجارب السابقة. وإذا كان رئيس الجمّهورية من أكثر الذين يدفعون بإتجاه تنفيذ هذه الإصلاحات، إلا أن تعديلات إتفاق الطائف على الدستور جعل القرار اللبناني توافقياً بين الطوائف وحتى بين الأحزاب. لذا نستنتج أن تنفيذ هذه الإصلاحات هو رهن موافقة جميع القوى السياسية التي أعطت محاضرات في محاربة الفساد في الإستحقاقات النيابية السابقة وخلال جلسة الثقة وجلسة الموازنة.

 

على كلٍ، الأيام والأشهر المقبلة ستُخبرنا إذا ما كان هناك جدّية في التطبيق أم لا!