لدائرة بعبدا نكهتها الخاصة، على مستوى البيت العوني. بالأساس، هي خزّان «التيار الوطني الحر». هناك خاض أولى معاركه الانتخابية، وتحديداً في العام 2003 خلال الانتخابات الفرعية التي حقق فيها أكثر من 23 ألف صوت صبّت لمصلحة حكمت ديب، الذي مثّل يومها رمزاً للتيار الناشئ، وليس اسماً بحدّ ذاته، ليؤكد حضوره الشعبي في واحدة من أبرز الرقع المسيحية. إذاً، كانت المنطقة معقل «التيار» حين حجز في العام 2009 ثلاثة مقاعد مارونية، ليتراجع في العام 2018 إلى مقعدين فقط، حيث نجح آلان عون في تثبيت حيثيته الشعبية مقابل تراجع بقية «رفاقه».
في هذه الدورة، رست تسميات التيار الحزبية على اسم آلان عون وحده بعد تجاوزه «الاختبارات الداخلية» بجدارة فحلّ أوّل في الانتخابات الداخلية التي أجراها «التيار» ليفرض نفسه مرشّحاً أساسياً في الدائرة، وتلاه في المرحلة الأولى منسّق قضاء بعبدا السابق ربيع طراف، ثمّ نادين نعمة وفؤاد شهاب، ثمّ حكمت ديب الذي قرّر الخروج من السباق، وتسجيل اعتراضه على عدم تبنّي ترشيحه ولو أنّه ألبس «انتفاضته» أسباباً تتصل بسياسة قيادته، وتحديداً رئيس «التيار» جبران باسيل «الذي لم يلتزم قيم التيار». لكن توقيت الخطوة أسقط عنها ورقة «التوت»، ليلحقها بمؤشرات «الاعتلال» التي يعانيها هذا الفريق وبتراكمات الخلافات الحاصلة داخل صفوفه، والتي صار عمرها سنوات، وها هي تخرج إلى العلن في لحظات مفصلية.
الأكيد أنّ اقتصار الترشيحات الحزبية على اسم واحد، لم يكن من باب الترف الشعبي، خصوصاً أنّ كل التقديرات تعطي هذا الفريق حاصلاً مضموناً، ما اضطرّه إلى الاستعانة بترشيحات من خارج البيت العوني، فجرى اختيار شادي واكد الأسمر، المدعوم من رئيس البلدية جورج عون كبديل من النائب حكمت ديب، والمرشّح فادي أبو رحال ولو أنّ قياديين عونيين يخشون من أن لا يشكّل هذان الاسمان أي إضافة للائحة لجهة رفع رصيد الأصوات، وهذا ما يفسّر التململ الحاصل في صفوف الفريق العوني. فيما كان المقعد الدرزي من حصّة النائب طلال أرسلان الذي سمى فاروق الأعور.
وما زاد من صعوبة المعركة لجهة إقناع الرأي العام بصوابية الخطاب والأداء، هو اضطرار «التيار الوطني الحرّ» إلى العودة إلى «بيت الطاعة» التحالفي مع الثنائي الشيعي وتحديداً حركة «أمل» بعد جولات مريرة من الاتهامات بالفساد والتهويل بتمزيق ورقة تفاهم مار مخايل. لكن التحالف عاد إلى لعبة الأرقام والحواصل… من دون أن يضرب الفريقان أي «ضربة» بورقة التفاهم لناحية تطويرها، كما كان يطالب جبران باسيل.
في المقابل، خطا نعيم عون خطوة جديّة في مساره السياسي، بعد سلسلة إطلالات إعلامية ثبّت فيها بالصوت والصورة أفكاره ومبادئه الأساسية التي ترتكز على الفكر الإصلاحي، من خلال السير بتحالف انتخابي مع كلّ من العميد المتقاعد خليل الحلو والدكتور جان أبي يونس و»رفيق الدرب» رمزي كنج ضمن لائحة «بعبدا تنتفض» التي سعت مكوناتها إلى توسيع بيكار التحالفات مع «قوى تغييرية» أخرى. ولكن عنصر «الأنانية» الذي طغى على معظم الدوائر الانتخابية ومزّق لوائح المعارضة، لم يعف بعبدا من ضريبته، ولهذا قررت لائحة «بعبدا تنتفض» تقديم نفسها كخيار ثالث بخطاب سياسي سيادي- إصلاحي يترك لأهالي بعبدا منفذاً للهروب من الاصطفافات العقيمة التي أثبتت فشلها طوال عقود، كما يرى أحد مرشحي اللائحة.
وفق التقديرات الأولية، فإنّ مقعداً مارونياً لا يزال «فلتان» في دائرة بعبدا، وثمة تنافس محموم بين المتنافسين لضمّه، خصوصاً أنّه من المتوقع أن ينخفض عدد الحاصل الانتخابي في ضوء تعدد اللوائح (سبع لوائح) التي لن تتمكن جميعها من تجاوز الحاصل الأول، ما سيرفع فرص قوائم «المعارضة» للاقتراب من عتبة المقعد الماروني.