لا يشبه قضاء بعبدا نفسه منذ وصل اليه التحالف القواتي ـــ العوني. خريطة التوزع السياسي انقلبت بالكامل، فبات الحديث عن 14 آذار مستحيلا كما هو الحال بالنسبة للتيار الوطني الحر وقوى 8 آذار. فيما حزب الكتائب يغرد خارج سرب «الاجماع» والمردة في المنفى
يمكن قضاء بعبدا أن يكون مقياسا لمدى نجاح التفاهم العوني ــــ القواتي. وما على الطامح في رؤية نتائج هذا التحالف بالعين المجردة سوى التجوال بين البلدات، أكان ذلك ساحلا أو وسطا أو في الجرد.
«لا مكان للعائلية» في بعبدا، أو أقله تتغلب السياسة على حلف العائلات لتنتج لوائح مشتركة بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية في مختلف البلدات باستثناء بلدة الحدت (يؤلف التيار والقوات لائحتين متنافستين). ويبدو أن القضاء الذي شهد عام 2010 كما في الانتخابات النيابية معارك التيار وقوى 8 آذار في وجه القوات والكتائب والاحرار ومختلف قوى 14 آذار، يرحب بالتوافق المستجد اليوم «وعلى قلبو أحلى من العسل»، يقول أحد القواتيين.
المفاوضات الرئيسية في البلدات يطرّزها منسق هيئة قضاء بعبدا في التيار الوطني الحر ربيع طراف ومسؤول بلديات المتن الجنوبي في القوات اللبنانية جوزيف أبو جودة. وقد تمكن الأخيران من انجاح اعلان النوايا بين حزبيهما بنسبة تقارب 80% في بعبدا، ما يعد انجازا بحدّ ذاته.
عند تنسيق طراف وأبو جودة لتأليف لوائح المتن الجنوبي، آثر الطرفان تقسيم البلدات لعدة أقسام: بلدات تسود فيها لائحات التوافق وبلدات متروكة للعائلات مثل عاريا والعبادية وغالبية قرى الجبل الصغيرة، بلدات عونية يؤلف فيها التيار لائحتين في وجه بعضهما بعضا كوادي شحرور العليا، بلدات قواتية يخوض فيها القواتيون معركة عائلية كبلدة بسابا، وبلدات ذات خصوصية لا تتدخل معراب فيها لكونها تخضع لنفوذ مختلط ما بين التيار وحزب الله مثل حارة حريك والمريجة (أعلن التيار والحزب يوم الجمعة الماضي لائحة مشتركة في الحارة ربما تفوز بالتزكية وتضم 8 أعضاء للتيار و10 للحزب برئاسة زياد واكد للمرة الثانية). ويقول طراف ان «التيار والقوات يحاولان مقاربة الموضوع البلدي بطريقة عائلية حزبية، الأمر الذي تقبلته القاعدة العونية بالترحيب ومن دون أي مشكلات». العمل المشترك «لم يخلق توتراً بيننا وبين النواب (ناجي غاريوس وألان عون وحكمت ديب) بل على العكس. فنحن نناقش معا كل التفاصيل على نحو شبه يومي خلال اجتماع مجلس القضاء». ويشير طراف الى أنه «منذ صدور قرار تكليفي التنسيق مع القوات ورؤساء البلديات، أوقف النواب زياراتهم الى البلدات وينبغي رفع القبعات لهم على تعاونهم الكامل معنا». ومهمة طراف مع نواب التيار سهلة في القضاء على اعتبار أن النواب الثلاثة منسجمون مع بعضهم بعضا أولا ومع المنسق ثانيا. اذ لا منافسة في ما بينهم كما في باقي الأقضية وخصوصا المتن الشمالي. ويختم طراف مشيرا الى أن «الانسجام كامل من أسفل الهرم الى أعلاه، الأمر الذي يزيل العقد ويسهّل عمل الفريق والذهاب بمطالب واحدة في مفاوضاتنا. نحن ننقل اليوم صورة القاعدة والقيادة». من جانبه يقول مسؤول بلديات المتن الجنوبي في القوات جوزيف أبو جودة أن «نسبة التوافق القواتي العوني في بعبدا تقارب الـ80%». والحزبان أقاما لقاعدتيهما 3 حفلات عشاء في 3 بلدات رئيسية، الشياح والحازمية وفرن الشباك، وكانت كلها «عظيمة»: «هدفنا تحقيق الانسجام لمصلحة البلدات والعائلات، فمنطقنا ليس منطق تشبث بل نعمل لانجاح التوافق ضمن العائلات».
و»النجاح» هنا يبدأ من بلدة وادي شحرور السفلى حيث يؤلف الحزبان لائحة برئاسة رياض القسطا، لينسحب الى كفرشيما حيث وقع الاجماع على وسيم رجّي. ولكفرشيما قصة، فرئيسها اليوم كاثوليكي يدعى طوني راضي رغم أن العرف يفترض أن يكون الرئيس مارونيا ونائبه كاثوليكيا. الا أن راضي كسر القواعد في الدورتين الأخيرتين ووصل الى الرئاسة مصطحبا نائبا له مارونيا. القواتيون والعونيون يعيدون «ترتيب» أوضاع البلدة من جديد عبر ترشيح ماروني للرئاسة! في الوسط، عقدة لم تحل حتى الساعة، فالقوات رشحت سامي معماري لرئاسة بلدة بعبدا الا أنه لم ينل الاجماع المطلوب ولا سيما أن ظروف فوزه صعبة لسببين: أولا لأنه لا ينتمي الى عائلة الحلو وثانيا لأنه أرثوذكسي. لذلك يتريث التيار في دعم مرشح آخر يدعى أنطوان الخوري حلو ريثما يوافق القوات عليه. فالحزب البرتقالي لن يخوض المعركة من دون حليفه. أما في بطشاي، فالاجماع اسمه ميشال خوري.
الاشتراكي يدخل خط التوافق
تكتسب اللوائح في بلدات الشياح وفرن الشباك والحازمية طابعا مختلفا عن باقي بلدات القضاء. فكما للمتن الشمالي مجموعة «ريّاس» يوالون النائب ميشال المر ويصعب تخطيهم عند تأليف أي لائحة، للمتن الجنوبي رؤساء أقوياء يفرضون أنفسهم على تحالف الرابية ــــ معراب. وفيما تضع الشياح ـــــ برئاسة ادمون غاريوس ــــ اللمسات الأخيرة على لائحة مشتركة مع القوات والتيار، يسلك التوافق طريقا وعرة ما بين فرن الشباك والحازمية. رئيسا البلدتين مقربان من القوات، الا أن ذلك لم يدفع معراب الى دعمهما على حساب تحالفها السياسي. مطالب الحزبين واضحة: «نريد تسمية أعضائنا». وعدم الاستجابة للمطالب يعني خوض معركة بمرشحين آخرين. وهؤلاء جاهزون بالمناسبة. اذ أعلن شارل بو حرب، أحد المقربين من القوات، ترشحه لرئاسة بلدية فرن الشباك الاسبوع الماضي بدعم من العميد طوني أبو رجيلي المقرب من التيار. ويستعد العوني زياد عقل لتأليف لائحة في الحازمية.
ومن الوسط الى الجبل حيث دخل الاشتراكي على خط التوافق في فالوغا، فكانت لائحة مشتركة من العائلات يقودها مرشحان يتقاسمان ولاية رئيس المجلس: روجيه الرامي وجوزيف أبو جودة (مسؤول البلديات في القوات). وفي حمانا، لم تتضح الصورة بعد إلا أن التوجه الرئيسي يقضي بتأليف لائحة موحدة بمرشحين أيضا، واحد للقوات وآخر للتيار. فيما تتجه رأس الحرف التي رأسها قواتي عام 2010 الى مشاركة بلديتها مع التيار: ماري أبي نادر عن القوات لثلاث سنوات، وعبدو الأسمر عن التيار لثلاث سنوات اخرى. على المقلب الآخر، خاض الاشتراكي والقوات المعركة البلدية معا في صاليما المرة الماضية، فأقصيا التيار؛ هذا العام تعمل معراب والرابية على لائحة مشتركة. من جهة أخرى، نزل الاتفاق القواتي العوني مع العائلات على جوار الحوز التي يرأسها قواتي، وكانت النتيجة تبني ترشيح كل الأطراف لالياس سعد.
لا مردة في بعبدا
الانتخابات البلدية اعادت طرح التساؤل عن وجود تيار المردة في بعبدا. العنوان يبدو لافتا للوهلة الأولى الا أن التدقيق يوصل الى نتيجة واحدة: لا وجود للمردة في بعبدا. المردة شخص يدعى بيار بعقليني والأخير يمثّل حالة خاصة يلونها باللون الأخضر أينما ذهب، اذ يصدف أنه يوالي فرنجية: افتتح أخيرا مكتبين للتيار «الأخضر»: الأول في الحدت والثاني في وادي شحرور الى جانب مكتب الحازمية. وبعقليني كان قد فاز برئاسة بلدة بزبدين المرة الماضية من دون التنسيق مع التيار الوطني الحر، وسيخوض الانتخابات هذه المرة أيضا منفردا (يحاول التيار والقوات تأليف لائحة في وجهه) علما أن ركائز معركة بعقليني ثلاثة عونيين أحدهم يحمل بطاقة حزبية. فيما بلدة ترشيش «الكتائبية» تخوض معركة قوية بلائحتين، الأولى يؤلّفها حزب الكتائب في وجه لائحة ثانية يدعمها القوات وقد يلتحق التيار فيها لكونه الحلقة الأضعف في هذه البلدة. وتقول المصادر المواكبة لانتخابات قضاء بعبدا البلدية ان الكتائب يعمل على تأييد اللوائح المنافسة للائحات التوافق في مختلف البلدات. يُذكر أن بلدية ترشيش هي الوحيدة في قضاء بعبدا التي تُصنّف كتائبية «خالصة»، فيما رئيس بلدية عاريا محسوب على حزب «الله والوطن والعائلة».
المريجة: بلدية لأقل من 40 عائلة
يعكس قضاء بعبدا أجواء التوافق التي يعممها التيار الوطني الحر والقوات من جهة، ووثيقة التفاهم ما بين التيار وحزب الله من جهة أخرى. وهو ما ينعكس حكما على بلدية المريجة ــ تحويطة الغدير ــ الليلكي المختلطة، التي يقسم مجلسها الى 13 عضوا من الطائفة المسيحية و2 من الطائفة الشيعية. يبلغ عدد المقترعين في المناطق الثلاث نحو 4500 مقترع انتخب منهم 2500 المرة الماضية. تدخل هذه البلدية ضمن اتحاد بلديات الضاحية الى جانب حارة حريك وبرج البراجنة والغبيري. تأثرت بأجواء الحرب الطائفية فهاجر أهاليها المسيحيون وباعوا غالبية أراضيهم، ولم يعد اليها سوى أقل من 40 عائلة عند انتهاء الحرب. لكن أبناء البلدة لا يزالون ينتخبون مجلسها البلدي، من دون ان يسكنوها. يرأس البلدية سمير أبو خليل منذ 12 عاما وسيترشح مجددا هذا العام بدعم من الحزب والتيار في وجه لائحة ثانية «من العائلات» يرأسها عبدو الحج عساف. ويتمثل حزب القوات منذ ما قبل تفاهم معراب بعضو في هذا المجلس البلدي الحالي. اضافة الى معركة البلدية، تبرز معركة أخرى على المخترة حيث تتمثل كل منطقة بمختار وثلاثتهم من الطائفة المسيحية. المنافسة الرئيسية هي في الليلكي، اذ يترشح شخصان من العائلة نفسها في وجه بعضهما بعضا ولا يزال التيار يسعى لارساء تسوية بينهما من دون أي نتيجة ايجابية حتى الساعة. قام أبو خليل بعدة «إنجازات» في البلدة ولو أنها تكتسب طابعا متصلاً بفئة واحدة من سكان البلدة، وأبرزها: انشاء كنيسة واعادة تأهيل أخرى لاعادة لمّ شمل الأهالي ودفعهم لزيارة بلدتهم نهار الأحد. وتعمل البلدية حاليا على مشروع سكني «مسيحي» يشجع الشباب على التشبث ببلدتهم وسيضم نحو 50 شقة. أما المشاريع البلدية «المختلطة»، فهي: مجمع صحي في تحويطة الغدير، زيادة عديد عناصر الشرطة، تأهيل الطرقات. والأهم أنه سيكون لـ «المريجة ــ تحويطة الغدير ــ الليلكي» قريبا مركز للأمن العام يسهّل معاملات الأهالي دون الحاجة الى التوجه الى بعبدا أو برج البراجنة.