تختلف التحضيرات في قضاء بعبدا لاستقبال العماد ميشال عون، رئيساً للجمهوريّة، عن كلّ المناطق الأخرى. هنا كلّ شيء يجب أن يكون لائقاً للعودة المرتقبة منذ 26 عاماً و18 يوماً… طريق القصر المهجورة منذ أكثر من عامين، تحيط بها إجراءات أمنيّة مشدّدة يفرضها الحرس الجمهوري، اخترقتها منذ أسبوع حركة الناشطين العونيين لرفع لافتات الترحيب وصور «عماد الجمهوريّة».
لقضاء بعبدا خصوصيّة في مسيرة النضال العوني، وخصوصاً ساحله؛ من عاصمة القضاء التي احتضنته في قصرها سنتين (1988 ـــ 1990)، إلى الحدت التي شكّلت خطّ الدفاع عن قصر بعبدا وسيادة الدولة، مروراً بكفرشيما التي قدّمت المناضلين، ووصولاً إلى حارة حريك مسقط رأسه. كلّها شهدت مراحل النضال والمواجهة، وانتظرت يوم النصر.
إنّ من يجول في بلدات القضاء، سيلحظ وحدة ما طاغية عليها، لا بسبب مراعاة معايير التنظيم المدني فيها، بل لانتشار صور العماد ميشال عون حتى في أصغر الأحياء. بعبدا التي كانت تتوقّع عودته إلى أحضانها عام 2005 رئيساً سحبته كسروان منها نائباً. وبعد أن انتظرته عام 2008 خيّب «اتفاق الدوحة» آمالها. فأتى عام 2016 ومعه ترقب ثالث، «والتالتة ثابتة».
انطلقت الاستعدادات لاستقبال الرئيس منذ أسبوع. النشاط والحماسة استثنائيان، والعمل المطلوب كثير، لكن الوقت لا يمرّ بسهولة. كلّ مكاتب التيار تحوّلت خلية نحل، وكذلك غرف بلديتي الحدت وحارة حريك.
الفرح يعمّ «الحارة»، البلدة الفقيرة التي ولد وكبر فيها ابن الفلاح وبائع الحليب، وقدّمته للجيش قائداً ومن ثمّ لتياره زعيماً، وها هي اليوم تهديه للوطن رئيساً. والمنزل الذي عاش فيه ميشال عون بالإيجار تحوّل إلى موقف خلفيّ لقناة «المنار»، لذلك انتقلت الاحتفالات إلى باحة كنيسة مار يوسف، التي نال سرّ المعموديّة فيها منذ 80 عاماً، وتزوّج فيها منذ 48 عاماً. هناك نُصبت الشاشات العملاقة لمواكبة مجريات جلسة الانتخاب، ورفعت اللافتات والصور والزينة، لينطلق الاحتفال عند العاشرة صباحاً بمشاركة أهالي البلدة والجوار، قبل أن ينتقلوا إلى الحدت لاستقباله، حتى صديقه الحلّاق محمود الذي أكل الشيب رأسه والتجاعيد وجهه، سيصعد إلى طريق القصر لملاقاة «أبو الميش»، كما يحلو له مناداته.
«مظاهر الفرح تسيطر على البلدة منذ أسبوع»، بحسب ما يؤكّد رئيس بلدية حارة حريك زياد واكد، «فالأهالي يحبّون العماد ميشال عون، وينتظرون هذه اللحظة منذ سنين، حتى أجواء قدّاس الأحد كانت احتفاليّة بامتياز باعتباره الأمل الباقي لهذا الوطن، والبطل الذي رفع رأسها ولم يساوم على حقّ شعبه»، ويتابع واكد (وهو مناضل عوني ومنسّق التيار السابق في بعبدا): «الحمد لله نضالنا أوصلنا إلى هنا».
في الحدت الاحتفال الأكبر، البلدة التي قدّمت الشهداء في حرب التحرير وكانت خطّ التماس للمناطق الحرّة، ستشهد عرساً بانتظار وصول موكب «الرئيس» لتذبح له الأضاحي، وتطلق له المفرقعات الناريّة لأكثر من ساعة ونصف ساعة. فالخصوصيّة التي عاشها أهالي الحدت، وقربهم الجغرافي من «بيت الشعب»، ومكانة الجنرال لديهم ومكانتهم لديه، تدفعهم لتحويل الحدث إلى تاريخي.
من بيته البعيد 100 متر عن القصر، يستعدّ طانيوس جبّور، الذي كان من أوائل من لبّوا نداء حرب التحرير، للاحتفال بالنصر الذي سُلب منهم، فهو لم ينسَ يوم ليلة 12 ـــ 13 تشرين، التي شهد فيها «على نظافة ميشال عون الذي أبى التوقيع على وثيقة تسليم بلده»، وشاهد رفاقه يسقطون شهداء قربه. من أجلهم كلّهم، سيحتفل و»الاحتفال لن يكون أقل من عرس».
تنسحب الحماسة من أهالي البلدة إلى الناشطين، منسّق التيار في قضاء بعبدا ربيع طرّاف لا يهدأ، ولا يضيّع الوقت، يستغل الوقت بين الاتصال والآخر لرفع صورة للعماد، بالنسبة إليه، هو يجني اليوم ثمرة نضال امتدّ 26 عاماً، انتخب ورفاقه خلالها ميشال عون ملايين المرّات بأقدامهم، وهم ينتظرون استعادة الأمانة، ويتابع: «من صباح الثلاثاء أستطيع تقديم استقالتي، لو أردت، لأنني مطمئن البال على مستقبل لبنان»، وينهي قائلاً: «نحن اليوم نخسر العماد عون بيننا، ليربحه الوطن».
في 13 تشرين الأوّل 1990 وقف العالم بأسره ضدّ العماد عون، ولم يبقَ معه سوى شعبه العظيم الذي لم يخف يوماً من تكرار اسمه ورفع صوره والمطالبة بالحرية والسيادة والاستقلال. بعد 26 عاماً شعبه لم يتركه، إنّما خسره لمصلحة الوطن، حتى خصومه وقفوا معه بعد أن تدحرجوا كأحجار الدومينو أمام حقّه بالوصول إلى سدّة الرئاسة الأولى، لما يمثّل من شرعيّة وشعبيّة.
وقوف رئيس المجلس النيابي ليعلن اسم العماد ميشال عون رئيساً للجمهوريّة اللبنانيّة، أمرٌ لم يشكّك فيه العونيون يوماً. حلموا به رغم اتهامهم بالسذاجة، ناضلوا من أجل الحريّة والتحرّر واضطهدوا ولم ييأسوا. اليوم حلمهم بات حقيقة، قد يصعب على البعض تصديقها ولكنها الحقيقة، التي ستطلق عهداً يثق شعب عون أنه سيكون مختلفاً عن غيره من العهود… ولو كانت العراقيل كثيرة.