“القوات”: الخطوات العملية التي تؤدّي إلى محاربة الفساد أساس أي مصالحة
يُعبّر ما كشفته النائبة ستريدا جعجع عن طبيعة العلاقة بين بعبدا ومعراب وعدم إحراز أي تقدّم، لكن من دون أن يتم إغلاق الباب على خطوات في وقت لاحق، فقد أكدت جعجع أمس أن أحد الموجودين خلال لقاء بعبدا “حاول أن يجمع الدكتور سمير جعجع ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون على انفراد بعد الاجتماع، لكن جعجع أجابه: “أنا هنا اليوم في مهمّة ولا أرى أن الخلوة مناسبة في الوقت الحاضر، سندرس هذا الموضوع في وقت لاحق”.
كان جعجع نجم اللقاء لأنه كسر مقاطعة المعارضة للعهد ورئيس الجمهورية وذلك بعد غياب كل من الرئيس سعد الحريري ورئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، ورئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط والرئيس نجيب ميقاتي ورئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميل.
في خلفيات المشاركة القواتية، فإن جعجع قالها صراحة منذ جلسة الثقة الحكومية “إننا معارضة من داخل المؤسسات”، وبالتالي فإن جعجع لم يرَ أي سبب مقنع لمقاطعة لقاء بعبدا، خصوصاً أن حليفه جنبلاط قد عقد مصالحة مع عون قبل ساعات من اللقاء، والحريري يركّز هجومه على عون ورئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل ويحيّد “الثنائي الشيعي” وهذا الأمر لا يروق لجعجع.
لم يكسر لقاء بعبدا حسب تأكيدات “القوات” جبل الجليد الذي تراكم بين معراب وبعبدا بل أتى حضور جعجع لتأكيد المعارضة للسياسات المتبعة وطرح ملاحظاته على الخطة الإقتصادية، وأيضاً من باب الفصل بين موقع رئاسة الجمهورية والخلاف مع الرئيس، فالرئاسة موجودة مهما كان الرجل الذي يشغل الموقع. لكن السؤال الذي يُطرح هل هذا اللقاء سيؤسس لمرحلة جديدة في العلاقة بين “القوات” ورئاسة الجمهورية أو إن الأمور ستكمل كما كانت؟
كل المؤشرات تدل على أن ما حصل خطوة إيجابية لكنها غير كافية، فبعبدا قرأت حضور جعجع بإيجابية في وقت عمدت أطراف أخرى إلى مقاطعة الإجتماع، خصوصاً أن بعبدا تعتبر نفسها أنها تتصرّف بقدر كبير من المسؤولية وأبواب القصر الجمهوري مفتوحة أمام الجميع، والخلافات والإختلافات تُعالج بالحوار والتواصل، في حين لا تدخل بعبدا في الخلافات بين الأحزاب والتيارات السياسية بل تسعى إلى تبريد الأجواء، ولا مشكلة للقصر الجمهوري مع أي مكوّن لبناني.
من جهته، كانت مشكلة جعجع مع عون هي باسيل، في حين أن معراب تحاول قدر الإمكان أن تحيّد علاقتها مع عون وتفصلها عن باسيل وتتعامل مع الأول على أنه رئيس البلاد.
وتعتبر “القوات” أن الأساس لأي مصالحة هو الخطوات العملية التي تؤدّي إلى محاربة الفساد ووضع أسس الجمهورية القوية، في وقت يمكن تأجيل الخلافات السياسية إلى مراحل مقبلة لأن كل شيء قابل للحلّ إذا صفت النيات، ولا يمكن لـ”القوات” أن تسكت على التجاوزات وترى مع جميع اللبنانيين أن البلاد تنهار. وفي نظرة “القوات” إلى الخطوات المقبلة، تشير إلى أنه يتوجب على العهد الضرب بيد من حديد في مجال مكافحة الفساد وعدم تغطية أحد، حتى لو كان من أقرب المقربين سواء كانوا ينتمون إلى “الوطني الحرّ” أو إلى الحلفاء، وبالتالي فإن الخطوات الإنقاذية باتت معروفة، وأصبحت الملاحظات القواتية على الخطة الإقتصادية التي أقرتها الحكومة في عهدة رئيس الجمهورية ولذلك فإننا ننتظر كيف سيتم التعامل معها.
تستمرّ “القوات” في معارضتها لسياسات الحكومة والعهد على “القطعة” ولا تحبّذ الدخول في معارضة غير مبنية على وقائع، وهي تستشهد بما حصل في ملف وزارة الطاقة حيث لم تقتصر معارضتها على الأقوال بل إنها أحضرت وثائق وجمعتها وتوجّهت بها إلى القضاء.
ويبقى احترام المؤسسات الدستورية أولوية عند “القوات” التي تؤكّد أنها “لا تستطيع التعامل مع الحكومة على “القطعة” وتتصرّف مع عون بمنطق العداء المطلق، لكن هذا الأمر ليس له دخل بالعلاقة الثنائية، فالتواصل مع الحكومة والتهنئة عندما تصيب والمعارضة عندما تخطئ أمر ينفصل عن العلاقة مع رئيسها حسان دياب، وكذلك الحضور القواتي في البرلمان ليس له ارتباط بالعلاقة مع الرئيس نبيه برّي، وما ينطبق على الرئاستين الثانية والثالثة ينطبق على الأولى، إذ إن الرئاسة الاولى موقع دستوري يجب التعاطي معه بغضّ النظر عن العلاقة مع شخص الرئيس.
ولكن على رغم محاولات الفصل بين رئيس الجمهورية و”الوطني الحر” إلا أن هذا الأمر يبقى من سابع المستحيلات لأن طيف باسيل حاضر في كل مكان، وهذا الأمر يُصعّب من التقارب بين معراب وبعبدا، لكن في المقابل فإن هذه العلاقة قابلة للتنظيم نوعاً ما لأن أحداً من الفريقين لا يرغب بالدخول في مواجهة شاملة لأنها تؤثر على الوضع العام في البلاد والذي يشهد مزيداً من التدهور على الصعيد الاقتصادي.