عشية انعقاده، أصيب الحوار الذي دعا إليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الشكل والمضمون. المقاطعون يصفّون خصومات مع العهد والحكومة، ويتهرّبون من تورّطهم في سياسات الثلاثين عاماً الماضية التي جرّت البلاد إلى ما هي عليه اليوم
أكثر ما هو لافِت اليوم، في بيانات السياسيين الذين أعلنوا مُقاطعة حوار بعبدا، هو حججهم التي تنُمّ عن حسابات ضيّقة، مُقارنة بالخطر الذي يتهدّد لبنان. وهؤلاء، من المهمّ أن يوجّه إليهم اللوم، لكونهم يستغلّون الأزمة الحالية لأجل تصفية خصومات مع العهد والحكومة، في موقفٍ لا يُمكن وصفه إلا بالانتهازي. صحيح أن العهد بمَن يُمثّل، كما الحكومة، ارتكبا أخطاءً جوهرية تتطلّب نقداً، لكن ليسَ هذا هو الوقت المناسب لتغليب المصالح الشخصية أو الحزبية. مهما كانت الظروف، فلا شكّ في أن هذا الحوار أفضل من عدمه، وخاصة أنه حملَ عنواناً واضحاً عن السلم الأهلي قبلَ أي شيء، والمقاطعون جميعهم يعرفون أن حالة البلد الراهنة حرجة جدّاً، وأن هناك تحديات ومخططات خارجية تستهدفه في مستقبله. فهل كانَ صعباً على هؤلاء التخلّي عن بعض «الأنا» السياسية، أقله من أجل شعب صارَ على حافة الجوع وتحت خط الفقر المُدقع؟ وهل هم يحتاجون إلى أكثر من انزلاق البلاد والعباد إلى المجهول، واكتواء المواطنين بجنون الأسعار واحتراق قيمة عملتهم الوطنية حتى يُسارعوا إلى الاجتماع؟ فحتى لو كانَ هذا الاجتماع مجرد حبّة «مخدر» كما يُحاول البعض تصويره للتهرب من المسؤولية، لكنه على الأقل «التزام» برفض الفتنة وتحصين الوحدة الوطنية، وتصحيح بعض الخلل في المعادلة السياسية التي تعيد البلاد إلى مشهد 2005 – 2006. وهو لن يخسّرهم شيئاً، لكنه ربما يفضي إلى نقطة التقاء وانطلاق. واللافِت أيضاً أن المقاطعين لحوار بعبدا، يزهَون بموقفهم هذا كما لو أنه انتقام من الرئيس ميشال عون أو محاسبة للرئيس حسان دياب، على الأخطاء التي تُرتكب بمعالجة الوضع المالي والنقدي أو المراوحة في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والفشل في اتخاذ القرارات الحاسمة لعدد من الملفات. وكأن هؤلاء بارتدائهم لباس المعارضة، يظنّون أنهم حصلوا على صك براءة من تورّطهم في سياسات الثلاثين عاماً الماضية التي أُطلِقَت فيها ماكينة السرقة والفساد وجرّت البلاد إلى ما هي عليه اليوم، معتبرين أنهم بهذا الموقف يقطعون على عون مُحاولاته فكّ «ما يشبه العزلة» عن عهده أو تأمين صورة إنقاذية له، كما فعل رئيس حزب القوات سمير جعجع ورئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية. أو يعاقبون دياب لكونه خرج عن إجماع الطائفة، كما فعلَ رؤساء الحكومات السابقون الذين لا يقومون بأي أمر سوى العمل بشعارات موسمية منطلقة من حسابات مذهبية، علماً بأنهم، كأفراد أو تيار سياسي، ترأسوا الحكومة لأكثر من 24 عاماً من أصل آخر 28 سنة، وبالتالي، لا يمكن إعفاء أي منهم من المسؤولية عن الانهيار الحالي.
قرار مشاركة تيمور جنبلاط بدل والده اتُّخذ بعد مقاطعة الحريري للحوار
وفيما كان خيار الرئيس أمين الجميل الانصياع لمواقف نجله النائب سامي الجميل الشعبوية، وضعَ رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط ابنه تيمور في الواجهة لينوب عنه على طاولة الحوار، فلا يقطعها مع عون ولا يوتّرها مع الرئيس سعد الحريري. لكن، قبلَ ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن الضربة الأولى للحوار جاءت من بيت الرئيس نفسه، إذ لفت أكثر من مصدر سياسي إلى أن «المواقف التي أطلقها رئيس تكتّل لبنان القوي جبران باسيل في مؤتمره الصحافي الأخير أصابت الخصوم والحلفاء الذين شعروا بأن مكتوب الحوار يُقرأ من عنوانه». وعشية انعقاد اللقاء، يُمكن القول إنه أصيب في الشكل والمضمون، علماً بأن الاتصالات لم تتوقف لتأمين أكبر عدد من المشاركين. وقد تولاها رئيس مجلس النواب نبيه بري، ولا سيما مع الرئيس الحريري، وهو ما قام جنبلاط به أيضاً والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم. لكن الحريري كانَ ينتظر مواقف رؤساء الحكومات السابقين التي تراوحت بين متردّد كالرئيس نجيب ميقاتي، أو رافض كما فؤاد السنيورة وتمام سلام. وبينما طرحت فكرة انتداب أحدهم ليكون ممثلاً في الحوار (السنيورة) إلا أن الأخير رفض، فكان الاتجاه هو المقاطعة. وبينما لفتت مصادر جنبلاطية إلى أن «اختيار تيمور جاء على خلفية أنه رئيس الكتلة النيابية ويجب أن يبدأ بممارسة هذا الدور»، علمت «الأخبار» أن «القرار اتخذ بعد اعلان الحريري المقاطعة».