يوم كان لبنان أميـرَ العرب، أُقيم سنة 1961 إحتفالٌ كبير في بيروت لمبايعة الأخطل الصغير «بشارة الخوري» بإمارة الشعر.
يومها، ألقى الشاعر السوري عمر أبو ريشة قصيدة أشار في أحد أبياتها إلى مؤتمر القمّة العربية في «الرباط» عاصمة المغرب فقال:
خافُـوا على العارِ أنْ يُـمْحى فكانَ لهُمْ
على «الرباطِ» لدَعْمِ العارِ مؤتمرُ.
منـذُ ذلك الحين تفرَّق العربُ وتخاصموا دموّياً، وبهذا البيت من الشعر كانوا يوصَفُون.
ولأنّ الشعر بالشعر يُذْكَـر يمكنُ أنْ نُطْـلق على اللقّاء «الوطني» في بعبدا ما جاء في بيتٍ لأبي نواس»… وداوني بالّتي كانت هي الـداءُ…»
نتداوى بالطبقة السياسية التي كانت هي الـداء، وقد يصـحُّ في وصفِ الخمرة ما ينطبقُ على حكامنا المسؤولين… الخمرة في الإسلام: «رِجْسٌ من عملِ الشيطان فاجْـتَنِبوه»..
والخمرةُ في المسيحية صُنِعتْ منْ مـاءٍ على يـدِ المسيح في «قانـا»، فعادت اليوم وتحوّلَتْ إلى مـاء.
لقاءٌ «وطنيٌّ» قالوا… ولست أدري ما إذا كان عندنا شيءٌ بعد، إسمُه وطني.
الرئيس نبيه بـرّي الذي كان «خيَّـال» اللقاء، يكاد يُشبهُ «الكاردينال ريشليو» وزير الملك الفرنسي لويس الثالث عشر، كان هو يدير السياسة الداخلية في المملكة.
وهذا «الخيَّـال»، الذي جنَّّـد نفسه لنـزْعِ الألغام عن طريق بعبدا، ما دعـا المترَّددين إلى عين التيـنة حتى لبّـوا على الدرّاجات النارية.
وسبقَ أنْ حـدّد هو سعر الصرف في بعبدا، كأنه صوتُ الذين لا صوتَ لهم… وهو الذي جمعَ اللقاء الدرزي، وقـرَّب المسافات بين السنّة والشيعة، فقلنا على سبيل المداعبة: إذا شئتم أن تفشِّلوا الرئيس بـرّي إطلبوا إليه أنْ يجمع الموارنة.
اللقاءات والحوارات «الوطنية» لـمْ تكُـنْ كثيراً مشجّعة، ولم تكنْ كثيراً وطنية، ولم تكن كثيراً جامعة، حتى يصحّ فيها ما قاله الإمام علي بن أبي طالب: «همُ الذين إذا اجتمعوا أضرّوا»…
منذ أن أطلق الرئيس بـرّي مبادرة الحوار سنة 2006 نتيجة الإنقسام الحادّ بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ، وخلصَتْ الجلسات السبع إلى إعلان «ميثاق شرف»… لا يزال الشرف ينأى بنفسه عن الميثاق.
ومنذ أنْ أطلق الرئيس ميشال سليمان جلسات الحوار في بعبدا سنة 2012 وانتهتْ بتوقيعٍ على النأيِ بالنفس، لا يزال النأيُ بالنفس ينأَى عن التوقيع.
وكان الرئيس ميشال عون قد دعـا إلى لقـاء «وطني» إقتصادي في بعبدا ولا يزال الإقتصاد ينْـأى عن البلاد وصولاً إلى التقمُّص في الصين.
اللقاء الحواري الوطني: لإنقاذ مَـنْ وماذا وبـمَنْ..؟
الشؤون الإقتصادية والمالية وشؤون الفساد والنهبْ، هذه تحتاج إلى قرارات لا إلى حوارات…
رئاسة بعبدا أعلنت أنْ الرئيس لا يحتاج إلى تعويم… ولا البلاد تحتاج إلى تعويم فهي الغريقُ ولا تخشى من البلَلِ.
الأوضاع الأمنية… ليس من مصلحة المدعوّين إلى بعبدا أنْ يحرّكوا النار تحت رمادها، لأن لِباسَهُمْ المرقّـط بالبارود أصبح مرقّطاً بالدولار.
والمراهنة على الشرق، قد تطْرح الإنزلاق من جديد إلى تلك التسوية التاريخية «لا للشرق ولا للغرب»، وسط معمعةٍ تاريخيةٍ أصبحنا معها مقراً للشرق وأصبح الشرق ممراً للغرب.
بـلْ، لعلَّ قانون «قيصر» يستدرجنا أيضاً إلى ما كان عليه حكم القيصر الروسي بطرس الأكبر، الذي كانت زوجته كاترين الثانية تخطِّـطُ لتحلّ محلَّـه، وهي التي كتبتْ في مذكراتها «لم يكنْ اهتمامي بقيصر، كل اهتمامي كان بالتاج».
أفضل ما نرتجـيه من لقاءٍ يُعقَـدُ في بعبدا، أنْ تـتمّ محاصرةُ المدعويّن المرتكبين لاسترداد ما نهبوا، فنستغني إذ ذاك عن الشرق وعن الغرب وتيجان القياصرة.
وإلاَّ… فلن ننحني أمامهم كما ينحني أهل الصين عندما يؤدّون التحية.