حتماً، كانت رئاسة الجمهورية في غنى عن صفعة امتناع كتل نيابية عدة عن حضور لقاء بعبدا اليوم. فالدعوة قامت على زغل، ومَن نَصَحَ بها إما جاهل لعلاقات الأطراف السياسية المتوترة بالعهد وربيبه “التيار”، وإما متشاوفٌ توهَّم ان هناك من يأمر فيطاع… على أي حال “يعيش وياكل غيرها”.
ومع ان التشاور في أي شأن وطني مهمِِ أمر مرغوب ولا عيبَ دستورياً فيه، فإن الملاءمة السياسية تبقى الأساس، وهي لم تتوافر في أجواء صاحب الدعوة ولا لدى الضيوف المدعوين.
أكثر كياسةً لو شاور الرئيس قادة الكتل قبل اقرار “الخطة التاريخية”. أما وقد فاتته المبادرة، فليترك مناقشتها لمجلس النواب خصوصاً بعدما تبين انها مكتنزة بالالتباسات والثغرات والنيات السوداء في حق الاقتصاد الحر وأوادم المودعين، بدل ان تركز على إصلاح هذا النظام وتطلق يد القضاء ضد زعران التركيبة السياسية من النفط والكهرباء والبواخر والمرافئ… وصولاً الى مجالس ادارات المصارف ومصرف لبنان.
كان أحرى بالرئيس ان يذهب الى “خطوة تاريخية” فعلية تخرج لبنان من الحفرة التي وضعته المنظومة الفاسدة فيها، مُكفِّراً في الوقت نفسه عن مساهمة فريقه السياسي “الجليلة” في تدمير الاقتصاد عبر الفساد وحروب التعطيل والتوريث.
أجدى بالتأكيد لو يتخلى فخامته عن الاهتمام بالكورونا وغلاء الأسعار والتعيينات ويتفرغ لخطوة كبرى تكرسه مخلِّصاً للوطن وبنيه، وتبدأ من كسره قيد “تفاهم مار مخايل” الذي حَجَرَ نفسه فيه وعلى اساسه بنى مشروعه ومشروع صهره الرئاسي.
حبذا لو استنفر الرئيس “هيئة الحوار الوطني” ليطرح حلاً جذرياً يشكّل العمود الفقري لخطة النهوض والاصلاح الاقتصادي. فهو وحكومة العهد الديابية ذاهبان الى صندوق النقد وطامحان الى أموال “سيدر” مع علمهما سلفاً بارتباطهما بمشيئة “المجتمع الدولي”. لذا لا ضرورة لدور “شحاد ومشارط” لا تمرُّ مَسْكَنتُه ولا اصطناعه العزة الفارغة على دول اختبرت لصوصية طبقتنا السياسية. وعلى عكس ذلك، نستطيع طلب العون مرفوعي الرأس لو عزمنا على حل شامل لأزمة لبنان المزمنة، مدخلُه الطبيعي والوحيد قيام دولة ذات سلاح شرعي واحد، فنلبي بذلك حاجة شعبنا ومطلب “مجموعة العمل الدولي للبنان” التي لا تتوقف عن تذكيرنا بوجوب تطبيق القرارات الدولية وممارسة الدولة سيادتها على كل أرضها وحدودها بالتزامن مع المساعدات.
ما ضرَّ الرئيس لو كان برنامج لقائه بالقادة موضوعاً واحداً يشكل مفتاح الحل الدائم والشامل، فيبادر الى الإلحاح على “استراتيجية دفاع” تُخرج لبنان من المحاور وتقوي منعته وتوكل واجب التصدي لأي عدوان اسرائيلي الى جيشه الشرعي؟
“مرتا مرتا. تقولين أشياء كثيرة والمطلوب واحد”. ويعرف فخامته، ولو أنكر ذلك ثلاثاً وثلاثين، أن لا قيامة ولا خطة اصلاح ولا مساعدات تتجاوز إبر التخدير وأجهزة التنفس الاصطناعي إلا بعودة الدولة الى الدولة. فخارج خطوة استثنائية كهذه سيبقى عهده موصوماً بالفشل والأنانية وزيادة التعتير، وستبقى الرئاسة مهيضة الجناح، ودعواتُها الى الاجتماعات محاولات يائسة لتسويات وتركيبات… وعرضة لصفعات خلف صفعات.