Site icon IMLebanon

ماذا يمكن للقاء الدقائق الـ 35 أن ينتجه؟

 

حتى اللقاء الرابع الذي جمع أمس رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي لم يتجاوز النصف ساعة. وقد يكون لقاء الأمس من بين اللقاءات الأطول بدقائق قليلة عمّا سبقه. وعليه طُرح السؤال: ما الذي يمكن ان ينتجه لقاء بهذا الشكل؟ وهل يحتمل ما نُسج ويُنسج حوله من سيناريوهات تتحدث عن مصير الحكومة العتيدة؟ وإن بقي الوضع على ما هو عليه فهل من إمكانية لتوليدها؟

تجاوزت السيناريوهات التي تبودلت منذ اللقاء الأول وحتى الثالث الذي عُقد الأربعاء الماضي بين عون وميقاتي، والرابع الذي عُقد أمس، ما يمكن التحدث عنه في لقاء بهذا الشكل والمضمون. وهو ما انعكس انهياراً لمعظم الروايات التي نُسجت من هنا وهناك إلى درجة يحتاج أي منها إلى ساعات من المناقشات لكثرة المعطيات التي أُدخلت في صلب ما هو مطروح من تغييرات حُكي عنها لترميم الحكومة الحالية، او تلك التي تحدثت عن توسيعها بعد تطعيمها بالوزراء الستة، وكأنّ البلد يعيش أوضاعاً طبيعية، وأنّ امام الحكومة مهلة زمنية طويلة، فيما هي تقتصر على الأسابيع الخمسة الفاصلة عن نهاية العهد.

وإلى المعلومات القليلة التي تسرّبت من لقاء الأمس، فإنّ اوساط الرئيس المكلّف اعلنت الصمت المطبق عمّا دار في اللقاء، تداركاً لمزيد من الحملات الاعلامية المتبادلة، ومن اجل عدم الانزلاق إلى ما يؤجج المشاعر التي تثيرها تسريبات المصادر وبيانات المكاتب والدوائر الاعلامية، كما الجيوش الالكترونية التي أضاعت البوصلة الحقيقية المؤدية إلى عملية التأليف وأبعدتها عن المرمى السياسي والدستوري، وخصوصاً انّ ما حفلت به من اتهامات وحملات تجنٍ شخصية، بلغت حدود استخدام عبارات ساخرة ومتدنية، وضعت الاستحقاق الحكومي على أهميته على مستوى العلاقات الشخصية بين هذا المرجع وذاك، ولم تعد عملية مطلوبة كخطوة دستورية وسياسية لا بدّ منها لتسهيل العبور إلى الاستحقاقات المقبلة وتجاوز المطبات الدستورية والسياسية التي تهدّدها، بعد ان تتحول سبباً للفشل في مقاربة الخطوات المطلوبة بأي ثمن.

على هذه الخلفيات، وبعيداً من الأخذ بما هو معلن من مواقف، فقد اختصر الرئيس المكلّف نتائج اللقاء بشعار مختصر من كلمتين، معلناً انّ «للبحث صلة»، وهي عبارة كافية للتأكيد انّ اللقاء وإن لم يكن «متفجّراً» بالسرعة المتوقعة، فهو «فاشل» ولم يكن مثمراً، وانّه لم يحقق أي خطوة ايجابية في اتجاه اي من الخطوات المطلوبة من كل منهما. فقد ثبت بالوجه الشرعي انّ مواقف الرجلين ما زالت عند ما كانت عليه قبل اللقاء، وانّ ما دار من مناقشات أوحى بعدم تحقيق الخطوات الدستورية والتنفيذية المطلوبة لولادة طبيعية للحكومة، وانّ القديم سيبقى على قدمه إلى أجل غير محدّد في ظل فقدان عنصر المفاجأة المستبعدة، وفي ظل معادلة بدأت تتضح يوماً بعد يوم لدى من بيدهم قرار الحل والربط، بأنّ ما هو قائم من توازن سياسي داخل التركيبة الحكومية التي تصرّف الاعمال لن يتغّير بسهولة وانّ لما لكل منهم من حصّة قد لا تكون مضمونة في أخرى.

عند هذه المؤشرات، لا يمكن أي مراقب عاقل أن يقتنع بأنّ هذه الاجتماعات خُصّصت لتشكيل الحكومة، وانّ «لعبة البلياردو» ما زالت قائمة، بحيث إن نجح البعض بترميم العلاقة بين هذا الرجل او ذاك تتردّى العلاقات بين آخرين لتعود وتنتكس على كل المستويات. فالطروحات التي تمسّك بها ميقاتي حتى اليوم ورفضه التوسع بالحكومة وحصر ما هو مقبول به بتغيير في حقيبتين او ثلاث، يمنع من تحقيق ما يريده عون. فهو متمّسك إلى ابعد الحدود بتوسيع الحكومة بما يضمن حصة أكبر لصهره ومعاونيه توصلاً إلى معادلات جديدة لم يتمكن العهد من توفيرها في افضل الاستحقاقات المماثلة من قبل.

فحديث أوساط «التيار الوطني الحر» والمقرّبين من رئيسه جبران باسيل ومحيطه المشترك مع قصر بعبدا، ما زالوا يتحدثون عن ضرورة ضمان الثلث الحكومي المعطّل وإدخال بعض الوجوه المحدّدة إلى الحكومة لم تنجح ولو لمرة واحدة في السابق، وهم يمنون النفس بتحقيقه في الأسابيع القليلة المقبلة الفاصلة عن نهاية العهد على انّه إنجاز يعوّض عن عدم القدرة على التحكّم بمصير انتخاب الرئيس العتيد المرغوب به ليكون الخلف المقيم في قصر بعبدا للسلف الراحل في التوقيت الدستوري الذي لا نقاش فيه مهما كثرت الفتاوى الدستورية والنظريات التي حفلت بها الايام القليلة الماضية بما حملته من سخافات ونتائج فتاوى واقتراحات لا يقرّ بها أي عقل دستوري او قانوني مهما تمّ تسخيره لمصلحة هذا البلاط او ذاك.

ففي الاوساط القانونية والدستورية «قرف» لا سابق له من بعض الفتاوى، وخصوصاً تلك التي تتلاعب بمضمون بعض المواد الدستورية كالمادة 62 من الدستور التي لم تقدّم أي اشارة إلى شكل الحكومة التي تتسلّم صلاحيات الرئيس سوى تلك التي كانت تعمل بكل مواصفاتها الدستورية او في مرحلة تصريف الاعمال. كما انّ محاولات تسخير بعض القوانين كتلك التي تحدثت عن تمديد بعض المِهل الادارية والمالية لتنسحب على طريقة احتساب مهلة ولاية رئيس الجمهورية تثير كثيراً من القلق على مستوى ما بلغته بعض الثقافات الدستورية، إلى درجة استغرب فيها احد طلاب السنة الاولى في كلية الحقوق من ان يتبناها من يسمّي نفسه مرجعاً او استاذاً في القانون الدستوري فقدّم مثلاً عمّا يمكن ان تسخر من اجله العقول وما بلغته من مستوى هزيل لدرجة الحكمة والعقل والتنور.

وانطلاقاً من هذه المعطيات، فقد توقفت مراجع مطلعة على كثير مما يتمّ التداول به في الاوساط النيابية والحكومية من سيناريوهات تثير القلق على مستوى قدرة الممسكين بزمام الامور على إخراج البلاد مما علقت فيه من ازمات تعدّدت وجوهها وتناسلت إلى ان عمّت مختلف وجوه حياة اللبنانيين، وخصوصاً انّ بعض من هم في السلطة قد اصبحوا أسرى نظريات من يحوط بهم وممن ينتشرون في البلاط ومن عن يمينه ويساره. والاسوأ من هذا الوضع الناشئ، انّه بات يؤثر في صغار العقول والنفوس من محازبيهم إلى درجة التحدّي الغاشم والأعمى.

والاخطر، انّ بعض المعنيين بالمهل الدستورية التي لا نقاش فيها، باتوا في وضع لا يُحسدون عليه. فبعد ان سئموا من لغة النفي والتبرؤ منها، باتوا في محطات محدّدة يتفرجون ويستمعون على ما لا قدرة لهم على استيعابه من فتاوى وسيناريوهات مطروحة على ألسنة القريبين منهم بسبب ما تحويه من سخافة قانونية وسياسية ودستورية جعلتها في مصاف النظريات التي لا صدقية لها وفيها، إلى ان يثبت ذلك في وقت قريب، وانّ المواعيد الدستورية المقبلة ستكون الامتحان النهائي بين ما هو صواب او خطأ، وهو يوم لم يعد بعيداً.