كان يُفترض برئاسة الجمهورية القيام بخطوة استثنائية تُنسي الناسَ خيبات أملهم بالسلطة والقرارَ البوليسي بملاحقة منتقدي الرئيس على وسائل التواصل الاجتماعي. لكن، بدل أن تُثلج صدر اللبنانيين المقهورين بإجراءات تستجيب للحد الأدنى من مطالبهم المشروعة وتخفف معاناتهم، تفتَّق ذهن الرئاسة عن اجتماع في بعبدا في 25 حزيران يضم “أهل الحل والعقد” متمثلين برؤساء الكتل والأحزاب والرؤساء السابقين، وكأن اللبنانيين لا يكفيهم سيل الاجتماعات ونهر الكلام الهادر، ليتم إيهامهم بأن اجتماعاً موسعاً من هذا القبيل سيضع حداً للانهيار الاقتصادي الكبير، أو سيحول دون فتنة يعلم القاصي والداني هوية مُشعِل حطبها واطفائيها القدير، مثلما يعلم يقيناً مَن الذي تنازل عن واجبه حين استيقظت الفتنة وانتشر الحرق والتكسير.
ومع القناعة المبدئية بأن اي لقاء تشاور هو خطوة محمودة، فإن مكتوبَ اجتماع بعبدا يُقرأ من العنوان العريض. إذ يبدو انه عملية استدراج لكل الأطراف السياسيين لتأمين غطاء لفشل الحكومة الفادح حتى الآن، ولتجديد دور عهدِِ متداعِِ لا يستطيع إثبات وجوده الا بالبهورات والاجتماعات الفولكلورية التي لم تحقق سابقاً أي إنجاز ولا مؤشر الى تحقيقها شيئاً في الاجتماع الموعود.
في غياب جدول أعمال واضح وجدّي، لن يكون اجتماع بعبدا سوى نسخة مكررة ومشوهة عما سبقه من اجتماعات التفَّ فيها الجميع حول الرئاسة، ولم يَنتج من التفافهم الا مزيدٌ من تضييع الوقت بالتوازي مع تعميق تحالفات العهد الحزبية وانجراره المتمادي الى المحور الايراني. فلا وصَلَ موضوع “استراتيجية الدفاع” المهم والأساسي الى اي تقدم، ولا تمكن الرئيس من تشكيل نقطة لقاء محايدة تجعله حَكماً أو صاحب قدرة على قرارات تراعي المصلحة الوطنية العامة، بعيداً من هاجس المحاصصة والتوريث.
لا معنى لاجتماع 25 حزيران اذا استنسخَ صرخةَ مجلس الدفاع الأعلى وحسان دياب قائلاً: وينيي الدولة! فهو سيكون عملياً دعوة لإنشاد “اوبريت” مظلومية تغطي عجز الرئاسات والحكومة بشراكة أهل الطبقة السياسية كلها في البكائيات.
كان أجدى لو خرج العهد والحكومة على اللبنانيين بإجراءات ملموسة تعالج الواقع المتردي عبر المباشرة بالاصلاحات. فالرئيس يمتلك من قوة الموقع والأدوات ما لم يمتلكه رئيس سابق على الاطلاق. لديه الرئاسة وأكبر كتلة في مجلس النواب وحصة وازنة في الحكومة وتحالفات أكثرية في السلطتين التنفيذية والتشريعية، فلماذا الشكوى ورفع شعار “ما خلّونا”؟ وما الحاجة الى الاجتماعات ما دامت السلطات الثلاث منسجمة ومن لون واحد وتمتلك كل مفاصل القرار؟
إذا كانت حجة الدعوة الى اللقاء هي الخطر الذي أحاق بالسلم الأهلي منذ 6 حزيران، فهي مردودة في الأصل والأساس، ذلك ان التقصير تتحمله السلطة كلها وخصوصاً رئيس الحكومة ووزيري الداخلية والدفاع. كل الناس شاهدوا الدراجات والشعارات، ولم يتورع حارقو وسط بيروت عن أخذ “السلفي” امام الكاميرات، فمَن منع الأجهزة الأمنية من ممارسة مهامها وقمْع الارتكابات؟ ومَن جعلَ بيروت تستباح فاتحاً الباب لردود الفعل المذهبية والطائفية في كل اتجاه؟
سلطة الفشل في الأمن الداخلي وفي اقفال المعابر وفي الاصلاحات ومواجهة تحديات قانون “قيصر”، لن يغطيها اجتماعٌ من هنا وتهرّبٌ من المسؤولية هناك، ولا حديثُ انقلابات ومؤامرات، ولا حتى بالطبع ممارسةُ كمِّ الأفواه… على أمل ان يفاجئنا لقاء القصر بعكس التوقعات.