Site icon IMLebanon

قضاء بعبدا: هبّة باردة وهبّة ساخنة

ملاك عقيل

هبّة باردة وهبّة ساخنة، هكذا يمكن وصف حال قضاء بعبدا الذي خاض الاستحقاق البلدي أمس بمنطق المواجهة في بعض البقع وبمنطق «أهلية بمحلية» في بقع أخرى.

تكفّلت العائلات بتكسير رؤوس الاحزاب، والأحزاب بفرض شروطها حيث أمكن في قضاء يعتبر واحة تفاعل استثنائية لتناقضات سياسية طائفية ومذهبية تكاد تختصر المشهد البلدي في لبنان، المشهد الحاضن لـ «الباقة» الأكبر من الأحزاب: «التيار» و»القوات» و «الكتائب» و «حزب الله» و «أمل» و «الاشتراكي» و «القومي» و «الشيوعي» و «الارسلانيين» و «المرده» و «الوعد»… ومع ذلك، بقيت السياسة تقريبا على «الرفّ» تاركة العائلات والاجباب «يفتكون ببعض».

من الساحل عند الاوزاعي وطريق دمشق بيروت الدولية ومجرى نهر بيروت شمالا وصولا الى ترشيش في أعالي المتن الجنوبي وجواره مرورا بالوسط، لم ينج القضاء من «لعنة» تحالفات ستولد خلافات واصطفافات لن تنتهي حتى تفتح الصناديق مجدّدا بعد ستّ سنوات.

قضاء الـ 63 بلدة، و46 بلدية، وأكبر تجمّع سكاني بحسب الاحصاءات مقارنة مع عدد ناخبيه، ومقرّ رئاسة الجمهورية ومؤسسات رسمية عدة، اختبر الترجمة العملية للتحالف القواتي العوني الطرّي العود بنسخ متضاربة وحسابات متمايزة، في بقعةٍ تشكّل قوةُ الناخبين المسيحيين فيها الثقلَ الابرز من الساحل وصولا الى فالوغا وحمانا مرورا بمعظم قرى الجبل.

الشيعة والسنة ينفلشون ساحلا، وفي ترشيش، أما الدروز ففي قرى الجبل وصولا الى أعالي صنين.

القضاء المحسوب تاريخيا على «الكتائب» لم يعدّ كذلك. يتباهى «البرتقاليون» بوصفهم «القوة الضاربة» اليوم. يلعبون في ملعبهم، ويحاولون جرّ الآخرين اليه. لكن البلديات تفضح وأحيانا كثيرة تقزّم النتائج، حتّى بوجود ثلاثة نواب «عونيين» في القضاء؛ حيث لم يتوحّد العونيون سارعوا الى رفع المتاريس في ما بينهم. وضع «القوات» و «الكتائب» والاحزاب الاخرى ليس أفضل حالا.

لم يكن بالامكان ضبط «موزاييك» البلديات تحت عنوان واحد. بين الشياح التي قدمّت صحن التزكية لـ 12 الف ناخب، وصليما التي أنقذها قرار وزارة الداخلية بتأجيل الانتخابات البلدية فيها بعد أن فعلت الخلافات الطائفية «فعلها»، خاضت البلديات الأخرى معاركها تحت سطوة الصراعات العائلية والشخصية، وسيكون لذلك ارتداداته في صناديق النيابة.

في الحازمية، إحدى أهمّ بلدات القضاء والأكثر جذبا للاستثمارات، وفي فرن الشباك نبض القضاء التجاري، أصيب الحليفان بنكسة. في الاولى دعمت «القوات» و «الكتائب» و «الاحرار» رئيس البلدية جان الأسمر، فقامت لائحة مدعومة من «التيار» بوجهه، والنتيجة تشنّج انعكس على الارض، وفي الثانية، «خبّص» الاثنان في صحن «التفاهم»، وهربا من مواجهة مباشرة ضد رئيس البلدية ريمون سمعان تاركين الحرية للناخبين.

في بلدة بعبدا، كاد انتخاب 15 عضواً لبلدية منحلّة يتحوّل الى حرب مفتوحة. لا «البرتقاليون» أتفقوا في ما بينهم، ولا «تفاهم معراب» وجد أرضية له. لذلك «أقفل» التيار مكتبه الحزبي هناك، فيما كان يوم الانتخاب أمس أهدأ بكثير من أسابيع التفاوض الشاقة.

وبالتأكيد سبقت كفرشيما في العام 2010 كل التفاهمات البلدية القائمة حاليا بين العونيين والقواتيين حيث خاضوا المعركة معا، لكن العامل المذهبي فرض نفسه.

فعدد الموارنة الذي يفوق بقليل الكاثوليك في كفرشيما لم يترجم فعليا على المستوى البلدي، فكَسَر طوني راضي (كاثوليكي) العرف المكرّس تاريخيا من خلال تسلّمه رئاسة البلدية منذ 2004 والتي كانت سابقا من نصيب الموارنة. بالأمس، توجّه داعمو «التفاهم» الى الصناديق للتصويت للائحة وسيم الرجي (ماروني ومقرّب من التيّار).

في بسابا، اكتفى العونيون بالتفرّج بوجود لائحتين قواتيتين تنافستا بعدما عجزت معراب نفسها عن توحيد «الرفاق».

وعكست بلدية وادي شحرور السفلى أحد أوجه الوفاق العوني القواتي من خلال دعم ترشيح رياض الاسطا بوجه رئيس البلدية جان باتيست الاسطا، وهو الامر نفسه الذي ترجم في فالوغا من خلال لائحة ثنائية وقفت بوجه رئيس البلدية الحالي. وفي وادي شحرور العليا «العونية» ترك «التيار» لمحازبيه ومناصريه حرّية القرار بالرجوع الى العائلة مع تعدّد اللوائح.

في رأس الحرف، ضرب «الالزهايمر» التحالف المسيحي. اتفاق ثنائي بتقاسم الولاية البلدية بين ماري ابي نادر (القوات) وعبدو الاسمر (التيار) بوجه لائحتين واحدة عونية وأخرى قواتية، وصولا الى فالوغا التي اعتمدت الاتفاق نفسه بتقاسم رئاسة البلدية بين منسّق «القوات» في بعبدا جوزف ابو جودة وروجيه الرامي (التيار) بوجه رئيس البلدية.

وفي حمانا البلدة المشتركة المسيحية الدرزية أزيلت العوائق من أمام لائحة بشير فرحات المدعومة من النائب السابق عبدالله فرحات، فارتاح «التيار» و «القوات» من المواجهة حيث قرّرا البقاء خارج اللعبة ترشيحا.