IMLebanon

يا بيت صامد في بعبدا

بيتٌ في الجنوب صامدٌ تحت القصف، وبيتٌ في بعبدا صامدٌ تحت القصف، والذين يقصفون بيـت الجنوب من الأعداء، والذين يقصفون بيتَ بعبدا، من الأعداء وذوي القربى.

بيت بعبدا، تـمَّتْ مباشرةُ بنائـه سنة 1956… الرئيس كميل شمعون أول من وضـع حجر الأساس، والرئيس شارل حلو أول من انتقل إليه سنة 1969.

ومنذ سنة 1975 على عهد الرئيس سليمان فرنجية، والقصر يتعرَّض للقصف، مروراً بعهد الرئيس الياس سركيس، وعهد الرئيس أمين الجميل، وصولاً إلى التدمير الكبير من الداخل والخارج على عهد الرئيس ميشال عـون.

وبعد كلّ قصفٍ كنّا نرمّم القصر ونَطْلي الجدران بلون مستقبليّ جديد، على غرار البيت الرئاسي الأميركي الذي طُلي باللون الأبيض بعدما أحرقَهُ الإنكليز.

ومن القصف المدفعي المتلاحق إلى القصف السياسي المتلاحق، حتى أصبح القصر أشبـهَ بالمعبد الوثني، وهيكلاً أثريّـاً مسكوناً بالفراغ.

عندما تمّ تدشين القصر في بعبدا قال كمال جنبلاط: «إنّ بنيان هذا القصر يشبه الكازينو»، وكأنّه كان يتوقع أن يتحّول القصر الجمهوري إلى منتدىً للمقامرة بالجمهورية.

الرئيس، هو الذي يحافظ على أركان القصور وأركان الدولة من التدمير العسكري والسياسي، والقصور تكبر بالرجالات وتعمّـر بالرجالات، إلاّ إذا كان منصبُ رئاسة الجمهورية لقَـباً شرفيّـاً من تلك الألقاب التي يخلعها السلطان العثماني على بعض المختارين من رعايا السلطة تقديراً لولائهم.

الأمير بشير الثاني بنى خمسة قصور، وبين ديـر القمر وبيت الدين أنشأ كنيسةً وجامعاً، بينما اكتفى بشير الثالث ببناء برجٍ للحمام على سطح القصر، فيما كان كشّاشُ الحمام حينذاك لا تُقبلُ شهادته في المحاكم.

 

الأمير بشير الثاني استطاع مستشارٌ مجنون إسمـهُ «أخوت شانيه» أنْ يقترح عليه خطّـةً لجـرِّ المياه منْ نبـع الصفا إلى قصر بيت الدين، ونحنُ مع تعدّد المجانين لم يستطع مجنون واحـدٌ منهم أنْ يؤمّـن لنا الكهرباء.

ليس عن عبَـثٍ كان اختيار بنـاء القصر الرئاسي في بعبدا، فوق رابية تُشرف على بيروت وبعض محافظة جبل لبنان، حيث معظم مراكز الدولة وإداراتها.

ليس لأنّ الموقع الرئاسي يجب ألاّ يكونَ فوقَـهُ فوق، بل ليتسنّى للرئيس أن يُبصر ما هو ومَـنْ هوَ تحت، أن يرى الناسَ ويـراه الناس، فيقفَ على أخبارهم وأوجاعهم ومشاكلهم، الرئيس ليس ذلك الشبح الذي يَـرى ولا يُرى، هكذا كان الفلاّح الروسي في ظـلّ حكم القياصرة، يتعرّض للظلم والفقر فكان يعتبر أنّ اللـه بعيدٌ منه في أعالي السماء، والقيصر بعيدٌ منه في أعالي القصر.

الكلام على القصور يطول، ولكنّه لا يـرقى إلى ما جاء على لسان جبران خليل جبران حين يقول: «دخلتُ القصور فرأيتُ العاملَ عبداً للتاجر، والتاجرَ عبداً للجندي، والجندي عبداً للحاكم، والحاكمَ عبداً للملك، والملكَ عبداً للكاهن، والكاهن عبداً للصنم، والصنمُ تـرابٌ جبلتْـهُ الشياطين فوق رابيةٍ من جماجم الأموات.. (1)

عهد المتصرفية، كان قصـر بيت الدين يسكن فيه المتصرّف، وعلى رابية فوقه كانت المطرانية المارونية مقـرّ سكن المطران، ويومـاً زار المتصرفُ المطرانَ وقال لـه: إنـك تشرف علينا من هذا المكان من فوق، فأجابه المطران، هناك من هو أعلى مني ومنك يشرف عليّ وعليك (2)..

لو كان الذين يسكنون القصور والسرايات والوزارات والمجالس والإدارات، يدركون حقاً أنّ هناك مَـنْ يشرف عليهم من فوقهم، لكانت روما من تحت أفضل من روما من فوق.

 

1 – جبران خليل جران – المجموعة الكاملة – كتاب العواصف: ص 372.

2 – بشارة الخوري فارس الموارنة – وليد عوض الجزء الأول: ص 156.