في انتظار أن يفعلَ البيان الذي أصدره مكتب الاعلام في قصر بعبدا السبت الماضي فِعله ويتجاوب المعنيون بالدعوة التي وجّهت الى «أولاد الحرام الذين يُقَوِّلونّ الرئيس ما لم يقله ويحمّلونه وزر أفعال لم يفعلها» ووَقف ممارساتهم، بَقيَ البيان بما جاء فيه مدار متابعة بحثاً عن هوية هؤلاء «الاولاد»، بعدما تعددت الإساءات من المحيطين به والحلفاء كما الخصوم. وعليه، هل كان جميع هؤلاء من المستهدفين بالتهمة والدعوة؟
بعد مرور أيام على صدور بيان العتب والتحذير عن المكتب الإعلامي في قصر بعبدا الذي عبّر عن استياء رئيس الجمهورية ورفضه ما ينسَب اليه من مواقف وخطوات وإجراءات طوال الفترة القليلة الماضية، لم يظهر انّ هناك التزاماً بهذه الدعوة بعد. فقد بقيت التسريبات قائمة لجهة ما يعدّه الرئيس بطريقة تتناقض مع مواقفه وآرائه المعلنة على الأقل كما بالنسبة الى توجهاته الراهنة وفي المستقبل. وعليه، فقد بقي البيان بما تضمنه من «جردة شاملة» معلّقاً على حبل التجربة ومدار بحث وتقييم.
ولذلك، فقد اختلفت من حوله الآراء خصوصاً لجهة مَن قصد بـ«اولاد الحرام» من هيئات وشخصيات او من مسؤولين رسميين وحزبيين واعلاميين الذين نسبوا اليه ما نسبوا من مواقف وقصدوا «إلباسه» الخطوات التي يستعد لاتخاذها، خصوصا تلك التي يمكن ان تشكّل خروجاً على الدستور ولا تخضع لأيّ شكل من أشكال التفسير او المناقشة. فهو المسؤول الوحيد الذي أقسم اليمين على احترام الدستور، ولم يظهر بعد على لسانه مباشرة اي نية بالخروج عن مقتضياته منذ فترة عَبّر فيها صراحة عن احترام مهلة نهاية الولاية ومداها الأقصى كما يحدده الدستور بالسنوات الست لتُضاف الى استحالة سَعيه الى تشكيل حكومة في اللحظة الاخيرة بعد سحب التكليف من الرئيس المكلف.
وان توقفت مراجع معنية أمام ما تضمّنه البيان الأكثر تفصيلاً من بين تلك التي صدرت في الفترة الأخيرة. فقد ظهر واضحاً انه قصد مروحة واسعة من السياسيين والاعلاميين والمؤسسات والمراجع السياسية والحزبية وحتى تلك الرسمية منها عشيّة دخول البلاد مدار الاستحقاق الرئاسي في اليومين المقبلين. وهي محطة اقتربت، فيما التعثّر قد أصاب استحقاقات اخرى، لا سيما منها ذلك المتصل بتشكيل الحكومة الجديدة بعد أكثر من شهرين بأيام قليلة على تكليف رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي نفسه مهمة التأليف، وفشلت كل المحاولات الجارية لتوليدها. وكل ذلك يجري على وَقع أجواء من التشنج التي تسبّبت بها مجموعة الازمات المتنامية.
وعليه، فقد أسهَب البيان في كثير من النقاط لتشمل الحملة المضادة التي عبّر عنها في شكله ومضمونه وتوقيته الى التوسّع في البحث عَمّن قصدهم رئيس الجمهورية وهم كُثر قياساً على حجم الملفات التي تطرق إليها، محمّلاً جميع من تناولها في الفترة الاخيرة مسؤولية التجني عليه، واضعاً ايّاها «من باب الادّعاء في قراءة النيات والضرب في الغيب واختلاق الأكاذيب». وما كان جديداً ان يتناول البيان اتهامه للبعض بما وصلت اليه «إساءاتهم الى حدّ التحريض وإثارة النعرات الطائفيّة واستهداف أمن البلاد واستقرارها»، مشدداً على عدم الأخذ بأيّ منها وحصر ما يستأهل التوقف عنده والرد عليه «بما يصدر عنه او عن مكتبه الاعلامي»، والّا يعتد بما تبقّى، معتبراً انّ فيه «مزيجا ًمن الافتراء والكذب لا يمكن الاعتداد به مطلقاً».
وإن توقّف المراقبون أمام مجموعة اخرى من فقرات البيان، يتوسّع هؤلاء – وخصوصاً العارفين بكثير من الحقائق التي ما زالت في الكواليس – في أنّ مَن قصدهم البيان كُثر. وان تعذّر تعدادهم فإنه ليس ضروريا ان يكونوا من بين خصوم العهد واركان المعارضة ووجوهها ومَن يخوض معهم المواجهة السياسية والقضائية والحكومية فحسب إنما من بينهم مَن يحتسبون «من أهل البيت» وأصدقاء للعهد وحزب العهد وحلفاء حلفاء العهد ومن مواقع مختلفة بعدما تنقّل بعضهم من ضفة الى اخرى، او انهم حاولوا استغلال العهد في الانتخابات النيابية الاخيرة او تمرّدوا وخرجوا من صفوفه مُحتفظين بأسرار كثيرة.
وعلى خلاف ما يرغب البعض بالاستثمار في البيان ومضمونه، فقد حرص القريبون من العهد على الإشارة الى انّ «الكيل فاض وطَفح»، ليس بسبب الحملات الاعلامية الاخيرة التي ارتفع منسوبها مع دخول البلاد محطات حاسمة من نهاية العهد وتَلاحق المساعي لتشكيل حكومة للشهرين المقبلين ان نجحوا في تأليفها ومقاربة الشغور الرئاسي المرتقَب نتيجة فقدان المرشّح «السوبرمان» الذي يعتبر متفوّقاً في السباق الى قصر بعبدا قبل ان يغادره الرئيس في الموعد المحدد. وليس صعباً القول إن البلاد وهي على عتبة نهاية العهد قد شهدت سقوط سيناريوهات كان العهد يرغب بها ويراهن على تنفيذها تزامناً مع سقوط اخرى مضادة، لتؤكد عدم قدرة اي فريق آخر على حسم الخيارات المقبلة من اليوم، خصوصاً ان هَدفت الى نموذج يتناقض وما سعى اليه العهد المُدبر على الرحيل.
وكلّ ذلك يجري في زمنٍ بات واضحاً حجم ما رفع من عوائق تحول دون عبور البلاد أيّاً من الاستحقاقات الدستورية التي تلت الانتخابات النيابية، خصوصاً تلك التي يجب ان تأتي نتيجة الاستشارات النيابية الملزمة وغير الملزمة والولوج الى مدار استحقاق انتخاب الرئيس منعاً لأي جدل يمكن أن لا ينتهي اذا انتقلت البلاد في الأول من تشرين الثاني المقبل الى ما يسمّى «الشغور الرئاسي» وأصبحت في عهدة حكومة مستقيلة تصرّف الاعمال، على رغم من وجود آراء عدة تسمح بالخطوة قبل ان تتفاقم الامور وتتعالى القراءات التي توحي بالنزاع على صلاحيات الرئيس الماروني ورئيس الحكومة السني، بَدل ان تصرف وتسخّر كل الجهود الممكنة لانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية.
وعليه، فإنّ هؤلاء العارفين بكثير من الحقائق يصرّون على انه من المنطقي ان يكون البيان قد توجّه في جزء منه الى «أهل البيت» كما من خارجه. فقد اساءت إلى العهد وجوه عدة وشخصيات حُسِبت على العهد من بدايته او لفترة منه، ومنها ما زال في موقع المسؤولية، وقد راحوا بعيداً في تفسير مواقف الرئيس والحديث عن نياته بما لا يخدمه شخصياً. ومن يعود في الفترة الأخيرة الى مجموعة البيانات والاطلالات الاعلامية المُشار إليها يُدرك انّ الرئيس اضطر عشرات المرات الى ان ينفي تسريبات خرجت من محيطه ومن قريبين منه ومن مواقع قوة في تياره قبل الخصوم. فالمواجهات مع الخصوم كانت محددة في مناسباتها ولا تحتمل الجدل الذي يحتمله هذا البيان. وان أطال هؤلاء في تعداد مَن قصدهم البيان فهم يصرّون على أنه يستثني البيان الصادر عن المجلس الاسلامي الشرعي الاعلى الذي لم يكن قد صدر عندما أعدّ البيان بصيغته النهائية، وانّ صدوره بعد بيان المجلس بفارق ساعات قليلة لا يعني انه رداً بما جاء فيه من عناوين عُدّت سعياً الى دعم موقف رئيس الحكومة السنّي في مواجهة رئيس الجمهورية الماروني.