Site icon IMLebanon

مصادر بعبدا: لا فترة زمنية محددة لانتهاء مرحلة التريّث

 

دوللي بشعلاني

فاجأ رئيس الحكومة سعد الحريري الجميع للمرة الثانية هذا الشهر، فبعد عودته الى لبنان حيث كان من المؤكّد أنّه سيُقدّم استقالته الخطية الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، تجاوب مع مطلب الرئيس بالتريّث ريثما يُصار الى التشاور بشأن الأسباب التي دفعته الى الاستقالة، أو دفعت بها المملكة اليه ليقرأها في بيان استقالته بهدف الضغط على «حزب الله» وعلى إيران لتنفيذ مطالبها في المنطقة، علماً أنّ تحقيقها ليس بالأمر السهل، إلا إذا سارت التسوية الإقليمية عليها أيضاً.

وإذ تصرّف الحريري كسياسي مسؤول برهن أنّ الأولوية لديه للبنان أولاً ولمصلحة بلاده قبل مصالح الدول الأخرى، تقول أوساط ديبلوماسية عارفة إنّ الحملة الدولية التي قام بها لبنان بإيعاز من الرئيس عون، وعن طريق الجولة الاوروبية لوزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، والتي ركّزت على اتهام السعودية باحتجاز الحريري فعلت فعلها. فالسحر انقلب على الساحر، وفي الوقت الذي أرادت فيه المملكة اتهام إيران بالتدخّل في شؤونها الداخلية وزعزعة أمنها من خلال إطلاق صاروخ بالستي من اليمن زعمت أنّه من صنع إيران بهدف تأليب الرأي العام العالمي على هذه الأخيرة، قامت الدول بانتقاد المملكة بدءاً من واشنطن التي وصفت سياستها بالهوجاء، مروراً بألمانيا التي انتقدت روح المغامرة السعودية وهدّدت بعدم السكوت عنها، وصولاً الى فرنسا التي تحرّك رئيسها إيمانويل ماكرون سريعاً باتجاه المملكة للضغط عليها والتأكيد على أنّه لا يُمكنه ترك لبنان كون بلاده «الأم الحنون» له، ثمّ أخرج الحريري من المأزق بدعوته كصديق الى باريس في محاولة لإنقاذ السعودية وحفظ ماء وجهها إقليمياً ودولياً. فضلاً عن دخول مصر على خط التهدئة رافضة إلحاق الضرر أو السوء بلبنان كونها تتفهّم تركيبته أو خصوصيته التي يدخل ضمنها «حزب الله» في الحياة السياسية والشعبية كذلك.

أمّا الحريري العائد باستقالته، فوافق على التريّث والبحث في أسبابها بعد أن طلب منه الرئيس عون ذلك، وبعد أن جرى طبخ هذا المخرج لعدم تفجير الوضع الأمني في لبنان كونه سينعكس بالتالي على المنطقة ككلّ، ولاحقاً على دول العالم التي ستنقسم لتقف الى جانب هذا المحور أو ذاك، ما يُدخل العالم في حرب كونية ثالثة لا أحد يريدها. الأمر الذي أراد منه «المخرجون»، على ما أوضحت الاوساط، الدلالة على أنّ التسوية السياسية التي عقدت بين عون والحريري منذ أكثر من سنة لم تتراجع الى نقطة الصفر بل سيتمّ تعديلها في الأيام المقبلة التي أعطيت للتشاور. وتؤكّد أوساط بعبدا أنّه ليس من فترة زمنية محدّدة لانتهاء مرحلة التريّث عن الاستقالة، الأمر الذي يطرح عدة تساؤلات عمّا ستكون عليه المرحلة المقبلة التي تسبق الانتخابات النيابية.

وأشارت الاوساط الى أنّ السعودية قد وافقت على مخرج «التريّث» بدلاً من «العودة عن الاستقالة» التي تفضح مسألة ضغطها على الحريري في الرياض لا سيما إذا ما تراجع عنها كلياً في لبنان، وذلك منذ أن «سمحت» للحريري بمغادرة أراضيها الى باريس. فتراجع المملكة جاء بعدما رأت بأمّ العين أنّ لبنان ليس متروكاً على الصعيد الدولي، وأنّ لديه أصدقاء كُثراً يهمّهم الحفاظ على أمنه واستقراره في المرحلة الراهنة، وأنّ إيران و«حزب الله» بالتالي ليست لقمة سهلة وسائغة يُمكن بلعها بحركة مغامراتية قام بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ليُجرّب مدى قوته في المنطقة. كما أنّ موافقتها على «التريّث» الذي طُبخ قبل عودة الحريري الى لبنان من خلال الاتصالات الإقليمية على أعلى المستويات، لا يجعل السعودية خاسرة بالمطلق سيما أنّ مبدأ التريّث يُبقي مطالبها قيد التشاور الداخلي الى أمدٍ قد يطول ربما، ويُبقي تحقيق هذه المطالب السبب الرئيس لعودة الحريري عن استقالته.

فالسعودية تطالب في مرحلة التريّث عن الاستقالة التي دخلها لبنان بضمانات من إيران و«حزب الله» لكي تغض الطرف عن بقاء الحزب كشريك في أي حكومة مقبلة، على ما شدّدت الأوساط، وهذه الأخيرة قد سبق وأن حصلت عليها في خطاب السيد حسن نصرالله الأخير. فانسحاب عناصر الحزب من العراق وسوريا بدأ وسيحصل حتماً وقريباً بشكل نهائي مع انتهاء المعارك في هذين البلدين، وتدخّله العسكري في اليمن قام بنفيه من خلال تأكيده على أنّ لا قوّات للحزب فيها، فضلاً عن التطمين الذي أطلقه بنفيه بشكل قاطع أنّ الحزب قد أرسل صواريخ أو أسلحة أو حتى مسدّساً الى اليمن أو أنّه أرسل السلاح لأي بلد عربي في المنطقة باستثناء فلسطين. وهذه التطمينات تؤكّد على أنّ الحزب ليس بصدد تقديم أي ضمانات أخرى للسعودية أو سواها، رغم تأكيده الانفتاح على الحوار، وعلى أنّه لا يحاول المسّ بأمنها لا سياسياً ولا عسكرياً، على ما فُهم من كلام السيد نصر الله الأخير، وهذا هو أكثر ما يهمّها ويُطمئنها.

أمّا التزام لبنان بالفعل بسياسة النأي بالنفس عن الصراعات والحروب الدائرة في دول المنطقة،  فهذا ما يجب التأكيد عليه خلال فترة التشاور، وإيجاد صيغة مناسبة له من قبل القادة والمسؤولين. وهنا تجد الأوساط نفسها أنّ الكرة باتت في ملعب «حزب الله» وقدرته على التجاوب مع مطالب المملكة وجامعة الدول العربية، التي هي أيضاً مطالب الحريري للبقاء في حكومة واحدة. فهل يُعطي الحزب معطيات جديدة خلال فترة التشاور هذه التي ستُعقد خلالها عدة لقاءات ثنائية، أبرزها اللقاء بين السيّد نصرالله والحريري الذي لا بدّ وأن يحصل، رغم عدم التأكيد بعد على التحضير له؟!!.

وترى الاوساط أنّ المرحلة الحالية هي استثنائية، وصحيح أنّها أنقذت الحريري من الانتهاء سياسياً، ولبنان من الدخول في حرب أهلية جديدة، وحافظت على الاستقرار الداخلي والوحدة الوطنية، غير أنّها تحتاج بشكل سريع الى «تثبيت» التسوية أو تعديلها بشكل لا تتعرّض فيه مجدّداً للزعزعة من أي بلد أو جهة كانت، ولأي سبب من الأسباب.