IMLebanon

بعبدا تنتظر الفرج… مسيحيّو «14 آذار» في بكركي وحنــين إلى زمن الموارنة الكبار

عامٌ مرَّ على الفراغ الرئاسي، وللمناسبة ستُشكّل بكركي غداً الثلثاء، محَجّاً للنواب والشخصيات السياسيّة الذين يتطلّعون لإنهاء الشغور، وعلى رأسهم النواب المسيحيون في قوى «14 آذار» الذين لم يقاطعوا أيّ جلسة إنتخابيّة، في وقتٍ سيرتفع صوت البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي مجدّداً للمطالبة بإنتخاب رأس الدولة، على وقع حكايات الشارع المسيحي عن زعماء موارنة مرّوا في الزمن الجميل.

المسيحيون أصبحوا الرقم 4 في اللعبة الداخلية، بعد الشيعة والسنّة والدروز حرب لـ»الجمهورية»: معركتنا هي تحرير الجمهورية من «حزب الله» وعون

أبعَد من الحسابات المارونيّة الضيّقة، والهدف التجييشي الذي كان يستعمله بعض زعمائهم عن وجود خطر يُهدّد رئاسة الجمهوريّة ومطامع الجميع بها، يُقرَع جرس الإنذار للمرّة الثالثة ليُنبّه الموارنة وكلّ المسيحيّين إلى أنّ الرئاسة فعلاً في خطر.

يعيش القصر الجمهوري فراغاً للمرة الثالثة في عصرنا الحديث، فالفراغ أو الإنذار الأول، أتى عام 1988 عندما ترك الرئيس أمين الجميّل القصر فارغاً من سيّده، وسلّمه الى رئيس حكومة إنتقاليّة هو قائد الجيش آنذاك العماد ميشال عون. أمّا جرس الإنذار الثاني فكان عام 2007 عندما إنتهت ولاية الرئيس إميل لحّود من دون إنتخاب خلف. لكنّ الفراغ الأخطر، هو الثالث الذي يخيّم الآن على قصر بعبدا، وقد بلغ اليوم عامه الأوّل، والخوف أن تكون «الثالثة ثابتة».

في الأعوام الثمانية الماضية، شهد لبنان فراغين في عهد بطريركَين مارونيّين، هما مار نصرالله بطرس صفير، والبطريرك الراعي، والخوف كلّ الخوف، أن نكون قد وصلنا الى ما حذَّر منه الزعماء الموارنة سابقاً من خسارة الموارنة ومسيحيّي الشرق موقع الرئاسة.

«تظاهرة» نيابية

تتّجه الأنظار الى بكركي غداً حيث تستعدّ لإستقبال نوّاب «14 آذار»، في «تظاهرة» نيابيّة رافضة للفراغ، هندسها وزير الإتصالات بطرس حرب، علماً أنّ العلاقة بين حرب والراعي مرّت بمرحلة قطيعة بعد مواقف البطريرك من التمديد لمجلس النواب وتحميله النواب جميعاً مسؤولية الفراغ.

سيضمّ الوفد نواباً من مختلف المذاهب المسيحيّة يُمثلون كتل «14 آذار». وفي وقت سيتحدّث حرب باسم النواب المستقلين، من المتوقع أن يُلقي ممثل عن كلّ كتلة أو حزب، كلمة بدوره، لكنّ الكتل لم تقرّر حتّى الساعة مَن سيتحدّث باسمها. وفي هذا السياق، يوضح حرب لـ»الجمهوريّة»، أنّ «زيارة بكركي هدفها القول إنّنا نرفض الفراغ في قصر بعبدا، ويجب إنتخاب رئيس في أسرع وقت ممكن لحفظ موقع الرئاسة، ولانتظام عمل المؤسسات الدستوريّة».

«عند المصلحة الوطنية، نضع خلافاتنا جانباً»، بهذه العبارة يُعلّل حرب «هذه الخطوة في اتجاه الصرح البطريركي»، مؤكداً أنّه «لم يغضب يوماً من البطريرك، بل كان سيّدنا غضباناً على الجميع، والآن ليست مرحلة تصفية خلافات بلْ يجب وضع أيدينا في أيدي بعض».

في المقلب الثاني، يستمرّ نواب تكتل «التغيير والإصلاح» و«حزب الله» بمقاطعة جلسات الإنتخاب تحت حجّة تأمين وصول الرئيس القويّ، لذلك يُشدّد حرب على أنّ «زيارة نواب «14 آذار» المسيحيين الى بكركي ستؤكّد للرأي العام مَن يريد إنتخاب رئيس ومَن يعرقل».

ويرفض حرب مقولة إنّ «الشيعة يحتفلون في ذكرى المقاومة والتحرير، بينما يُحيي المسيحيون الذكرى الأولى للفراغ الرئاسي»، ويقول: «كلّ لبنان يحتفل بعيد تحرير الأرض وليس الشيعة فقط، وفي المقابل نسعى نحن لتحرير الجمهوريّة من «حزب الله» وميشال عون، فمعركتنا هي لتحرير كلّ الجمهورية وفكّ رهنها بهذين الطرفين، وعودة الجمهورية والشرعية الى الشعب».

وللمناسبة سيلقي الراعي كلمة تتضمَّن دعوة الكتل للنزول الى المجلس لانتخاب رئيس أو الخروج بمبادرة تؤدّي الى انتخابه، ومن المتوقّع أن تكون نبرته عالية السقف، لأنّ الوضع لم يعد يتحمّل غياب رأس الدولة.

يُتعب الفراغ بكركي، التي تشكّل المرجعية الأولى للمسيحيين في لبنان والشرق، خصوصاً أنّ رهانها على تأليف قوّة ضغط مسيحية لم يفضِِ الى نتيجة حتى الساعة، لأنّ الشعب المسيحي يعيش في عالم منفصل عن زعاماته، لذلك سيلحّ الراعي على الزعماء الموارنة أن يستجيبوا لنداء شعبهم والإنطلاق نحو حلٍّ جذري يكون بعيداً من المؤتمر التأسيسي، وهو سيحذّر مجدّداً من الوصول الى المؤتمر التأسيسي وفرض المثالثة، لأنّ المسيحيّين ليسوا في موقع قوّة وستُفرض عليهم شروط لا تلبي تطلعاتهم في هذه المرحلة.

حكايات المسيحيين

يعيش المسيحيون في الذكرى الأولى للفراغ، مرارة شديدة، إذ يتخوّفون من خطر التطرف المتمدّد في المنطقة، على وقع المجازر التي تُرتكب في حقّ مسيحيّي العراق وسوريا، فتعايشوا نوعاً ما مع غياب رئيس مسيحي يقود المسيحية المشرقيّة في هذه المرحلة المفصليّة.

يتناقل الشارع المسيحي، أخباراً وقصصاً عن رجال مرّوا، وقادوا شعبهم. وأبرز هذه الروايات التي تتردّد في الكورة هي عن وزير الخارجية والمفكّر شارل مالك عندما زاره وفد ماروني من بلدات الكورة والبترون متمنياً عليه تغيير مذهبه ليصبح مارونياً ويترشح الى الرئاسة، فكان جوابه صادماً حسب ما تروي إحدى السيدات التي شاركت في الوفد، إذ قال: «أنتم الموارنة لديكم جوهرة في الشرق وهي رئاسة الجمهورية، إلّا أنّكم تقومون بكلّ شيء لخسارتها، وليس لتُحافظوا عليها».

هذه الأخبار التي يتناقلها المسيحيون عن أحد أهمّ عقول لبنان ومفكّريه، تتبعها أخبار أخرى عن قادة عظماء، لعلّ أبرزهم في تاريخنا الحديث الرئيسان كميل شمعون وبشير الجميّل. ففي زمن العز، كان كميل شمعون زعيماً دولياً استفاد من الصراع بين المعسكرين الشيوعي والغربي ووظّفه في خدمة إزدهار لبنان على رغم ثورة 1958. كان شمعون يتنقل بين عواصم الدول العظمى ويلتقي الرؤساء والملوك وكأنه يتنقل بين القصر الرئاسي في القنطاري آنذاك وبين بلدته دير القمر أو أيّ بلدة لبنانية، والقصة الشهيرة التي يُكرّرها كلّ مزارع في الجبل أنّ شمعون أجبر أميركا على شراء محصول التفاح ورميه في البحر تحت حجة أنّ لبنان يشتري الصناعة الاميركيّة والغربية.

أما بشير الجميّل فقاد المقاومة اللبنانية في أصعب الظروف ونجح ووصل الى الرئاسة وكان ثورة وحلماً، لكنّ الحلم إغتيل والرئاسة بقيت فارغة.

تراجع محبط

مرت الايام ووصلنا الى ما نحن عليه، وبعد نحو 33 عاماً على إستشهاد بشير، و28 عاماً على غياب كميل شمعون، وبدلاً من أن يتقدّم المجتمع المسيحي ويقتدي بما حققه هذان الرجلان، نراه يتراجع بشكل رهيب ومحبط. فإنتاج التفاح مثلاً لا يُباع، مع أنّ عدد السكان الى ازدياد، فيما يفاخر أيّ زعيم مسيحي بزيارة خارجية تكون أقلّ من عادية ويظنّ نفسه فتح بلاد الاندلس. لم يتعلم الزعماء من تجارب الماضي بل ارتكبوا مزيداً من الاخطاء حتى وإن تبرّأ أحدهم من المسؤولية وحمّلها الى الطرف الآخر، وكان هذا الطرف مخطئاً، فهذا يعني أنّ نصف المسيحيين مخطئون.

أكبر محاسبة يخضع لها القادة الحاليون تكمن في الأحاديث اليومية المتكرِّرة لشعبهم عندما يقولون «رزق الله على هيديك الايام كان في زعما». لكنّ هذا الأمر لا يفيد إلّا اذا تُرجم بفرز قيادات جديدة تُنقذ المجتمع من كبوته وتقوده الى برّ الامان، خصوصاً أنّ بعض الدول الكبرى يقول «إننا نريد دعم الموارنة والمسيحيين لكن ليس هناك طرف جدير أن نضع يدنا في يده». ويأتي الجواب المسيحي «أننا نفتخر بذلك»، كتعبير عن عجزهم عن الاتصال بالدول الكبرى، فيما يُسارع الزعماء المسيحيون الى تلبية أيّ زيارة خارجية، فكيف الحال الى العواصم الكبرى؟

ومع غياب أيّ مبادرة رئاسية جديدة، سيبقى المسيحيون يحنّون الى زمن الكبار، لعلّ كبار هذا الزمن يتصرّفون كأسلافهم. وفي انتظار أن تخرج ورقة النوايا بين «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر» إلى النور، يبقى على المسيحيين الصلاة والدعاء لأنّهم أصبحوا الرقم 4 في اللعبة الداخلية، بعد الشيعة والسنّة والدروز، والخوف أن يُصبحوا أقلية يُسمح لها بالصلاة وممارسة شعائرها الدينية فقط، بعدما بنى اجدادهم دولتهم بنحت الصخر… فأتى الزمن ليُضحّوا بها، ويترحَّموا على تاريخهم.