مجزرة بعقلين بين التنديد والسخط والصدمة
مرة جديدة حُشر الشرف بين المزدوجين في رثاء شهيدة مجزرة بعقلين منال التيماني إذ حمّلها البعض بطريقة غير مباشرة مسؤولية العنف ضدّها. فلم يجد مصطلحاً توصيفياً سوى “جريمة شرف” ملقين على روحها وزر الفاجعة التي راح ضحيتها 9 أشخاص غيرها، من بينهم شقيقا القاتل مازن حرفوش فوزي وكريم، وخمسة آخرون من الجنسيتين اللبنانية والسورية وطفلان. وفّر الخطاب الرائج والمتوقّع سنداً مجتمعياً للقاتل كي يرتكب جريمته متجاهلاً عقاب القانون.
انتظر مازن حرفوش زوجته في غرفة النوم مسلّحاً بشرعية اجتماعية وبموروث من العادات ليسحب من تحت الوسادة سكّيناً كان قد خبأها عن سابق تصوّر وتصميم فور دخولها إلى الغرفة وأجهز عليها بأكثر من 13 طعنة حوّلتها جثة هامدة بين السرير والخزانة. لكن غليله “المبني على الشك فقط” لم يُشفَ، فقرر غسل يديه من دمها والتخلص من ملابسه المضرجة بدماء منال كي يلاحق الضحايا التسع الآخرين وكل من اعترض وجهته ببندقية صيد مدعوماً بمنظومة أخلاقية تبرّر له المحرّم وتناصره وتخفّف له فظاعة ما اقترفت يداه.
مفاهيم الشرف والطهارة
سارعت عائلة المفجوعة، إلى إصدار بيان ينفي الاتهامات التي ألقيت على دم المغدورة، ووصفوا ابنتهم فيه بأنها “أشرف من كلّ ما قيل أو يقال، ومن الواجب على كل من لا يعرف أن يلتزم الصمت لأنه يضع في ذمّته شابة طاهرة وأولاداً أبرياء”. وفي ذلك خير دليل أنه عند التعرض للعنف الأسري لا تواجه النساء هشاشة الخدمات الصحية والنفسية والقانونية الموجّهة اليها فحسب بل يضطر ذووها إلى مواجهة وصمات المجتمع وتقبّل الألم الموازي لألم فقدان ابنتهم.
قتلت منال عن عمر يناهز الـ 33 عاماً وكانت تعمل كمعلمة في مدرسة مار مارون في منطقة بيت الدين، وتشهد لها زميلاتها بطيبة القلب وهي حاصلة على درجة الماجيستير في مادة الرياضيات. تقول إحدى صديقاتها لـ”نداء الوطن” إنه لم تبدُ عليها في أي وقت “أي علامة من علامات التعرض للعنف المنزلي رغم أنها كانت تعيش في وضع اقتصادي صعب، ولكن بعكس ما أشيع على وسائل التواصل الإجتماعي كانت أماً سعيدة لطفلتين سيرينا ابنتها الكبرى 6 سنوات وليانا 3 سنوات، وأن زوجها كان يبدو خجولاً بعض الشيء وأنها كانت المعيلة المادية للعائلة اذ أن القاتل زوجها، موظف أمن في إحدى الجامعات كان يتقاضى مدخولا متواضعاً لا يكفي”.
وأكملت “علمنا أيضاً أن منال وأخويه لم يكونوا فقط ضحية شك القاتل، ولكن من بين الضحايا أربعة لاجئين سوريين أحدهما العامل في إحدى ورش المنطقة أحمد بسون وابناه محمد وحسن الذين كانوا يرافقونه حينها أما الرابع فهو العامل السوري ياسر الفريج وله زوجة وثلاثة أطفال ومشهود له بحسن السيرة والخلق”.
من جهتها، علّقت وزيرة العدل اللبنانية ماري كلود نجم، على الجريمة في تغريدة على حسابها عبر “تويتر” كتبت فيها: “لا يمكنني أمام هول المجزرة التي هزّت بعقلين الحبيبة، وشكّلت صدمة لجميع اللبنانيين إلّا أن أعبّر لعائلات الضحايا الأبرياء عن أحرّ التعازي وكامل التضامن كمواطنة ومسؤولة مع التزامي الراسخ بمتابعة التحقيقات الأمنية والقضائية المكثّفة، لإحالة مرتكبي الجريمة أمام قوس العدالة”.
في المقابل، نشرت “جمعية كفى” بياناً أكدت فيه أن مصطلح “جريمة الشرف” الذي تداوله بعض المشرّعين والمسؤولين هو “غير قانوني ورجعي وذكوري، وينزع عن الفعل المرتكب صفته الجرمية العنيفة ويحيله إلى اعتداء متعلّق بالشرف”، مستغربة أن يأتي “على لسان مشرّع واجبه صون حقوق الناس، والحق بالحياة هو من أسمى هذه الحقوق”.
وأوضحت في البيان أن “ما حصل بمعزل عن الأسباب والدوافع، هو جريمة متسلسلة مرعبة، طاولت أكثر الفئات هشاشة في مجتمعنا، ننتظر إلقاء القبض على مرتكبيها ومحاسبتهم، والعمل جدّياً على تفكيك البنى الأبوية السامة والتركيبة الاجتماعية الذكورية، بدل ترسيخها”.
وفي حديث هاتفي مع القاضية أماني سلامة، قالت لـ”نداء الوطن” إن ما حصل هو قمة التخلف ولكن “حتى تتغير هذه العقلية، لا يهم عدد القوانين التي يتم سنها، فالنساء لسن بأمان في ظل الواقع المؤسف، فرغم أنه في العام 2011 أُلغيت المادة 562 من قانون العقوبات التي كانت تبرر قتل النساء وتخفف حكم القاتل، ما زلنا نشهد بشكل متواصل جرائم قتل يحاول الجاني فيها تبرير جريمته بذرائع “العار والعرض والشرف “. وبالتالي إن كل محاولاتنا لتعزيز “أمن النساء” ستبقى غير فعّالة ما لم نعمل على تغيير العقلية ونشر الفكر الصحيح الذي يكسر حلقة الوصم والإدانة الجندرية”.
من جهتها اعتبرت الناشطة النسوية جميلة خضر أنه في لبنان يسيطر الخطاب الأبوي المكذّب للناجيات من العنف أو التحرش أو الإغتصاب من جهة والموجّه اللوم لضحايا جرائم العنف الأسري من النساء من جهة أخرى، وقالت “سينسى المجتمع بعد وقت قصير ما حصل لمنال ولكن ستعاد الكرّة وسيعاد معها سيناريو الأحكام المعلّبة المعهودة التي ترمي ثقل كل الجريمة على الضحية وتبرئ القاتل”.
دور الشرطة البلدية
من جهته شدد مسؤول الإعلام والتواصل في “المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية – لبنان” مصطفى رعد في حديث لـ”نداء الوطن” على أهمية تفعيل دور الشرطة البلدية في التصدي للعنف المنزلي وتخفيض معدلات القتل بذرائع الشرف وقال “قانوناً تنخرط قوات الشرطة البلدية مثل نظيراتها الخاصّة بالاتحادات في مهام متعددة للحفاظ على السلامة العامّة والأمن الاجتماعي، لكن في واقع التطبيق وبحسب نتائج المسحين اللذين أجرتهما “المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية” حول تقديم الخدمات العامّة في البلديات واتحادات البلديات اللبنانية في العامين 2017 و2018، وجدنا أن الإتحادات والبلديات في لبنان تعمد في غالب الأمر إلى “النأي بالنفس” عن إحدى أهم المهام الموكلة إليها كقوّة شرطة محلية معنية بالمحيط المصغّر لكل منطقة، وتفضّل عدم التدخّل في النزاعات الأسرية التي تعتبرها “شأناً خاصاً” على الرغم من أن قانون العنف الأسري الرقم 293/2014 ينص على تدابير حماية مهمة، وعلى إصلاحات في قطاع الشرطة، والتي تتيح لهم التدخل وتلبية نداءات الإستغاثة لضحايا وناجيات العنف الأسري وفرض هيبة ميدانية معينة في محيطهم”.
وتابع رعد “أضف إلى ذلك مضمون المادة رقم 74 من قانون البلديات التي تنصّ بشكل واضح على تولّي رئيس البلدية شؤون الأمن بواسطة الشرطة البلدية التي تتمتع بصفة الضابطة العدلية وله أن يطلب مؤازرة قوى الأمن الداخلي عند وقوع جرم أو “احتمال حدوث ما قد يهدد السلامة العامة وأن يباشر التحقيقات اللازمة” ناهيك عن المادة 124 من نفس القانون التي تعطيهم الحق بإجراء التحقيقات الاولية في الجرائم المشهودة والجرائم التي تمس السلامة العامة لحين وصول الضابطة العدلية ولكن من دون التطرق إلى مهامها ونطاق صلاحيتها بالتفصيل، ما يجعلها فضفاضة وعرضة لتضارب الآراء الإستشارية حول تفسيرها. وفعلاً أظهرت نتائج المسحين تأكيد 10 في المئة من رؤساء البلديات أن الشرطة البلدية تعالج قضايا العنف الأسري، فيما تنخفض النسبة إلى 5 في المئة لدى شرطة الاتحادات، في الوقت الذي تمارس قوات الشرطة المحلية مهامّ اخرى تتخطى صلاحياتها واختصاصها كقيادة الآليات التابعة للبلدية (90 في المئة) وجباية الرسوم البلدية (45 في المئة) ما يؤكد أن أسلوب استجابة الشرطة البلدية حالياً يترك النساء والفتيات في كل المناطق من دون حماية عاجلة وقريبة منهن بدل توفير البلدية كمأوى للطوارئ ومركز لإنقاذ حياة”.
أما الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين فاعتبر ” أن الكثير من جرائم الشرف لا يًكشف عنها ولكن من خلال مراجعة المحاكم وتحقيقات قوى الامن خلال الفترة من 1999 وحتى العام 2018 هناك كمتوسط سنوي 8 حالات قتل تصنّف كجرائم بعُذر “الدفاع عن الشرف” والضحية هي المرأة في اغلب الاحيان او المرأة والمتهم أنه “عشيقها” ولم تسجل سوى 3 حالات اقدمت خلالها إمرأة مثلاً على قتل زوجها بذريعة “الشرف” وأنه في جريمة بعقلين الاخيرة وفي العديد من جرائم الشرف لا تتوافر فيها الوقائع اي ان يفاجئ الجاني زوجه او أحد أصوله او فروعه او أخته في حالة الجماع غير المشروع.