تنفيذ الوعود أو العصيان
“إلى البقاع درّ” و “حيَّ على خير العمل”، شعارات لطالما سمعها البقاعيون على مدى سنواتٍ عجاف ولم يروا خلالها سوى مزيد من الحرمان وغياب الإنماء، في وقتٍ كان شعار الإمام موسى الصدر في خطاب القسم في آذار العام 1974 أنه لا ينبغي أن يبقى في البقاع محروم.
تطل ذكرى الإمام الصدر كل عام من بعلبك، لما تعنيه هذه المنطقة للحركيين حيث كانت مرجة رأس العين منصةً لإطلاق الصدر قسمه المشهور في آذار. ففي الحادي والثلاثين من آب تحل ذكرى تغييب الإمام الذي حمى ودافع عن مناطق دير الأحمر وجوارها خلال الحرب، وطالب بإنماء بعلبك والهرمل كما الجنوب وغيرهما.
على وقع الحرمان المزمن والإنماء المفقود تحيي “حركة أمل” الذكرى هذا العام، حيث كان لها العام الماضي نكهة خاصة بحضور الرئيس نبيه بري، وبين كل المناسبات التي تقام سنوياً لا تزال المشاريع التي أطلقها السيد موسى الصدر وطالب بها على حالها، يتذكرها الحركيون ويطالبون بها وهو ما فعّله بري العام الماضي حين تحدث عن مشاريع سد العاصي واليمونة، الضم والفرز، مجلس إنماء بعلبك الهرمل، تشريع زراعة القنب الهندي وقانون العفو وغيرها من المشاريع التي لا تزال حتى الآن تنتظر التطبيق.
ويلاقي بري الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الذي وجه خطاباتٍ عدة إلى أبناء المنطقة واعداً بتحقيق مشاريع وإنجازات ومحملاً أبناء المنطقة مسؤولية حفظ المقاومة من جهة أخرى، وهو ما جرى قبل الإنتخابات النيابية الأخيرة كشد عصب لمنع وقوع خسائر في أرواح اللائحة الإنتخابية التي أعدّها “حزب الله” مع حلفائه، خصوصاً بعد قانون نسبي أنتج معادلةً مختلفة قد تفتح الشهية في المرحلة المقبلة على ما هو أكثر من خرقٍ في نائبين.
ومن بوابة الحرمان والوعود الإنتخابية تطل لائحة “حزب الله” النيابية عند كل استحقاق مطعمةً بنائبٍ من الحركة، لتتبخر الوعود بالإنجازات بعد النتائج الانتخابية وتُحمّل الدولة والحكومة التقصير في الأداء وإنماء بعلبك الهرمل وكأن “حزب الله” و”حركة أمل” من خارج تركيبة الدولة اللبنانية، وغير مشاركين في الحكومة التي تعاقب فيها منذ العام 1992 أكثر من ستة وزراء من المنطقة، من دون تسجيل إنجاز يذكر أو يسجل للوزير كونه إبن تلك المنطقة، وعلى غرار الجنوب يطالب أبناء المنطقة المعاملة بالمثل. والسؤال المحوري الذي تتردد أصداؤه بكثرة في المنطقة، ماذا حقق الثنائي الشيعي بجناحيه “حزب الله” و”حركة أمل” لمنطقة البقاع بعد كل الوعود والمشاريع؟ وهل إستفاقة ما بعد الإنتخابات النيابية الأخيرة على أبناء البقاع ستؤتي ثمارها؟ فعلى أرض الواقع لا يلمس أبناء المنطقة أيّ جديد بل المزيد من الإفقار للمنطقة وأهلها، بما في ذلك مشروع العفو المزعوم الذي اعتبر شماعةً لتمرير المرحلة وامتصاص غضب الشارع.
قبل سنة دُشنّ سدّ وبحيرة اليمونة برعاية رئيس الجمهورية ميشال عون ممثلاً بالوزير جبران باسيل وحضور نواب المنطقة، وكان إلتقاء بين جميع الحضور على ضرورة تنفيذ سد العاصي، وأن تكون أولوية العهد تنفيذ السدود في ظل موجة التصحر التي نعيشها، واعداً في حينها وزير الطاقة سيزار أبي خليل بالعمل على إنجازه بحيث أنجزت الدولة ثلاثة سدود وتخطط لإنجاز 55 سداً، ويطالب أهالي المنطقة بأن تكون لهم حصة إنجاز واحد منها كي لا تذهب مياه العاصي هدراً، وكذلك الأمر بالنسبة إلى رأس بعلبك حيث اجتاحت السيول البلدة، فيما لو كان هناك سدود لما كانت النكبة التي وقعت العام الماضي.
قد يكون تنفيذ مشروع سد العاصي ضمن مشاريع “سيدر”، وهو بوابة إنماء المنطقة وإحيائها، لكن يبقى أنّ المواطنين هنا ينتظرون تنفيذ الوعود التي أغدقت عليهم… وإلا فالعصيان الذي كان سيبدأ مع الإمام الصدر العام 1974.