IMLebanon

الضمّ والفرز في بعلبك الهرمل: 12 شركة لُزّمت… والفوضى على حالها!

 

تصدّر مشروع الضمّ والفرز في بعلبك- الهرمل المشاريع الإنتخابية للمرشحين واللوائح الانتخابية في عدّة دورات، ولم تفلح التصريحات والوعود في تحديد الملكيات العقارية لأهالي المنطقة، الذين يشكون من ملكيات مشتركة لأراضيهم غير خاضعة للإدارة العقارية، ما يتسبّب في وقوع صدامات ومشاكل تصل حدّ سيلان الدم.

بخلاف معظم المناطق اللبنانية، لا يزال بعض البلدات البقاعية في محافظة بعلبك الهرمل خارج إطار عمليات المسح لأراضيها، ولا تزال وحدة القياس فيها «القيراط»، وهي الوحدة التي كانت تعتمدها الدولة العثمانية في تقسيم الأراضي بين الناس، ولأنّ تلك الملكيات مشتركة بين أكثر من مالك وغير خاضعة لإدارة عقارية، طغت المشاكل بين المواطنين بسبب تصرّف أحد المالكين بالأرض بحصةٍ أكثر مما يملك فعلياً، ووضع اليد على الأراضي وإشغالها بطريقة غير قانونية، وبيعها بمرور الوقت.

 

لجنة… ولا تنفيذ

 

منذ عام 1997 أطلقت الحكومة اللبنانية مشروع الضمّ والفرز في بعلبك الهرمل، وصرفت إلى الآن أكثر من 20 مليار ليرة لبنانية، وتمّ تلزيم 12 شركة تولّت رفع الواقع من تعدّيات وغيرها وإتمام عمليات المسح في بلدات يونين والقاع والهرمل، ولم ينجز المشروع حتى الآن. وفي حين تشكّلت في المنطقة لجنة الضمّ والفرز برئاسة القاضي منيف بركات، لم يعيّن مساعدون قضائيون لها لتفعيل عملها وتعجيله، ما يؤدي إلى تفاقم الخلافات بين الأهالي وبين الذين اشتروا أراضي في سهل بلدة القاع إبّان الحرب، ولا تزال عمليات البيع مستمرة، فيما الخلاف اليوم على الآلية في تحديد الحصص ومن خلفها المشاعات التي توضع اليد عليها، كلٌ قبالة أرضه.

 

إن مشكلة العقارات المملوكة بالشيوع لا تسمح لأصحابها بحق التصرّف بها نظراً لكثرة المالكين، وتمنع أصحاب الأراضي من البناء والإستحصال على رخص، وهي مشكلة كبيرة أيضاً تواجهها مدينة بعلبك، إضافة إلى تقسيم المشاعات التابعة للدولة وللبلديات على غير وجه حق. لكن تبقى مشكلات بلدات الهرمل والقاع ويونين الأكثر تعقيداً في عملية الضمّ والفرز وما يستتبع ذلك من تراكمات ودعاوى قانونية بسبب تداخل البناء واستعمال الأراضي في غير وجهتها.

 

يونين والقاع: المشكلة متشابهة

 

بلدة يونين البقاعية إحدى البلدات التي لم تفرز أراضيها مطلقاً، بل توزّع حصصاً يملكها عدد من الورثة بناءً على صكوك أميرية منذ العهد العثماني، وبالتالي لا يستطيع أحد من أبناء البلدة إتمام عملية بيع أرض وشرائها إلا بموجب حجّة تنظّم عند المختار وبوجود شهود، كذلك لا أحد يستطيع الإستحصال على رخصة بناء وغيرها، ونشبت خلافات بين الورثة حيناً على مقدار حصّة كل طرف منهم، إضافةً إلى مشكلات بين أشخاص ثبتت حصصهم في مكان غير المكان الذي يقطنونه.

 

منذ شباط عام 2017 أطلق وزير العدل السابق سليم جريصاتي في مؤتمر خاص ببلدات البقاع الشمالي العمل على بدء أعمال الفرز وتكليف الجيش وضع حدّ للمخالفات في القاع، وتشكيل لجنة تضمّ المالكين الجدد والمالكين القدامى لبتّ الحصص بين الطرفين، لكن لا شيء تغيّر في الواقع حتى اليوم سوى مزيد من المشكلات. وفي هذا الإطار ذكر مصدر مطلع لـ»نداء الوطن» أنّ «الشروع بتنفيذ مشروع الضمّ والفرز ليس بالأمر السهل، فهو يحتاج أولاً إلى مشاريع قوانين بهدف تعجيل العمل دفعة واحدة، وهذا الأمر يقع على عاتق نواب بعلبك الهرمل جميعاً، وإن اختلفت توجّهاتهم السياسية، كذلك لا بدّ من رصد الموازنة اللازمة، وهو أمر يتعثّر اليوم نظراً لأزمات البلاد والانهيار المالي». وأكد «أنّ التراخي في تنفيذ المشروع قد يؤدّي إلى مزيد من الصدام بين الناس، ففي القاع الجمر تحت الرماد والمشاكل لا تتوقّف، وفي يونين وبريتال وغيرهما وقعت المشاكل على حصص إرثية كان إطلاق النار فيها حاضراً»، لافتاً الى «أنّ عدم فرز الأراضي والسماح للناس بالحصول على رخص بناء تعود على الدولة بمصادر مالية، يحرمانها أيضاً من مصادر دخل إضافية كاشتراكات الكهرباء والمياه وغيرها».

 

عقيص سأدعو إلى جلسة

 

رئيس اللجنة الفرعية المنبثقة من لجنة الإدارة والعدل لمناقشة قانون الضمّ والفرز في بعلبك الهرمل النائب جورج عقيص أشار لـ»نداء الوطن» إلى مشروع قانون قدّمه نواب بعلبك الهرمل يضمّ مناطق يونين والهرمل باستثناء بلدة القاع التي أعيد ضمّها، وقال «بدأنا سلسلة إجتماعات في حضور القضاة العقاريين المعنيين، وبعد بلوغنا مرحلة متقدّمة من البحث، علّق النواب الذين قدّموا الاقتراح حضور الجلسات، وذلك بعد أحداث الطيونة». وأوضح أنّه سيدعو إلى جلسة قريبة لتحريك الملفّ «لأنّ هناك مصلحة عامة لأبناء المنطقة، ولطي صفحة التشرذم على مستوى الثروة العقارية وعدم الإستثمار كما يجب، وتنظيمها لإراحة كل الناس، وضخّ موارد إضافية للدولة، ما يجعل عملية انتقال هذه العقارات للورثة سهلة، وبالتالي إنهاء كل معاناة أهالي المنطقة».

 

وأضاف أنّ القانون «سيتضمّن بعض الأحكام ويهيّئ الظروف الواقعية، ومنها تنطلق أعمال المساحة وينتظم المسح في المناطق غير الممسوحة، وهناك إشكالية في التعدّيات الحاصلة، وكان هناك إتفاق بين جميع النواب أعضاء اللجنة أنهم لا يغطّون أي تعدّيات لأشخاص لا يملكون أسهماً في أي عقارات. أمّا البناء على عقارات شائعة من قبل مالكين على الشيوع، فهو يحتاج إلى تنظيم وتوزيع الأنصبة بحسب القانون مع مراعاة الواقع على الأرض»، وتمنّى أن يكون هناك تجاوب مع تحريك الملف، وأن يبتّ بسرعة في أول جلسة تشريعية عامة بعد انتخاب رئيس للجمهورية.

 

وختم: «القانون لن يشرّع المخالفات والتعدّيات على أملاك الدولة والمشاعات، فنحن نساعد في بتّ أي تقصير تشريعي من قبل الدولة بحق الأهالي يمنعهم من التصرّف بملكهم، لكن المخالفات تبقى مخالفات، وعلى المعتدي أن يزيل تعدّيه وفقاً لأحكام القانون، فحقّ الملكية هو حق دستوري، وعندما نعتدي على عقار نعتدي على حقّ دستوري».

 

رئيس بلدية القاع: الأراضي ممسوحة

 

إلى ذلك، أوضح رئيس بلدية القاع بشير مطر لـ»نداء الوطن» أنّ أراضي القاع ممسوحة، والضمّ والفرز يختلفان عن التحديد والتحرير، «فنحن نعمل في أراضٍ الحقوق فيها ثابتة وواضحة قانوناً، وإن كان مُعتدى عليها بفعل السنين، وهذا الأمر له أكثر من ثلاثين سنة ويؤدّي إلى مشاكل تتّخذ أحياناً بعداً طائفياً ومذهبياً»، وقال «إنّ التراخي في بتّ الحقوق يؤدّي إلى مزيد من المشاكل والمخالفات، وفي حال أقرّ القانون يستلم صاحب الحق أرضه بعدما تكون قد استنزفت خيراتها ومياهها، وتحتاج آلاف الدولارات لتعود صالحة للزراعة»، وأضاف أنّ «مشروع الضمّ والفرز متكامل يبدأ من دور القوى الأمنية والمحاكم في بتّ الخلافات، وصولاً إلى إعادة الحقوق لأصحابها، وإنّ تأخير القانون يغيّر وجهة استعمال الأرض، سواء أكانت زراعية أم صناعية أم للبناء أم غير ذلك».

 

إنّ الحاجة أكثر من ملحّة اليوم إلى استكمال المشروع الذي انتظره البقاعيون طويلاً، بعد توقّفه لأسباب مجهولة معلومة، رغم تقدّم نواب بعلبك الهرمل باقتراح قانون لضمّ وفرز الأراضي في بلدتي يونين والهرمل، وتأتي الحاجة إليه بعد التعدّيات على المشاعات والأراضي الأميرية المملوكة للدولة اللبنانية، كذلك فوضى البناء التي انتشرت في بعلبك الهرمل منذ بداية الأزمة، من دون أدنى مستويات التنظيم أو الإستحصال على رخص بناء، ما يعقّد الأمور التنظيمية أكثر وأكثر.