Site icon IMLebanon

مسيحيّو بعلبك – الهرمل: بقاؤهم من مسؤولية شركائهم

 

رحمة: لإعادة الأراضي لأصحابها والناس إلى منازلهم

 

 

يتجذّر المسيحيّون في البقاع الشمالي مذ وطأت قدما القديس مار مارون أطراف نهر العاصي قبل 1500 عام، ويسجّلون في روزنامتهم آلاف السنين من الحضور، ممهورةً بالصلابة والشدّة والتحمّل، مجبولةً بمعارك الصمود والبقاء والنضال للثبات في أرضهم، مبنيةً على حسن الجوار، قاعدتها المحبّة والطيبة والإحترام المتبادل، محافظين على عاداتهم وتاريخهم وتراثهم.

 

على أنقاض مذبح التضحية السابق داخل هياكل قلعة بعلبك، بنيت أول كنيسة محاطة بثلاث كنائس خارج سور القلعة، تقابلها أبنية تراثية قديمة مزيّنة بقناطرها وأسقف القرميد مقابل ساحة المطران، حيث أعطت المدينة جمالية فريدة يقصدها السيّاح، وسمّي الحيّ ضمن مدينة بعلبك «حي المسيحية»، في دلالة على قدم وجود المسيحيين في بعلبك والبقاع الشمالي. ومعها انطلقوا في بقاع البلدات والقرى، منها المختلطة مع الطوائف الإسلامية، ومنها التي تشكّل عرين الوجود المسيحي كمنطقة دير الأحمر التي تضمّ عدداً من البلدات المسيحية الصرفة.

 

نزوح بعد الحرب

 

يشكّل أبناء الطوائف المسيحية إحدى ركائز المجتمع البقاعي بمختلف أطيافه، وفق أسس الشراكة والعيش المشترك، وإن خفّ وهج الحضور وكثافته بعد الحرب الأهلية، حيث نزح الكثيرون من بعلبك ومختلف البلدات البقاعية المختلطة إلى بيروت وخارج لبنان، وبقي تأثير هذا الحضور ضمن تلك المناطق. ويسجّل لبعلبك الهرمل خلال الحرب الأهلية عدم دخولها في أتون الحرب، ولا تزال كلمات الإمام موسى الصدر وخطابه الشهير: «إنّ كل طلقة تطلق على دير الأحمر وشليفا والقاع، إنّما تطلق على بيتي وعمامتي وصدري ومحرابي»، راسخة في أذهان البقاعيين، وعليها بنيت أسس التعايش على مدار السنوات اللاحقة.

 

وكما كلّ اللبنانيين، لحقت الأزمة بأبناء الطوائف المسيحية في بعلبك الهرمل. يعانون كما الكثيرين من المشاكل الإقتصادية والإجتماعية، كذلك ينشدون الحلول لبعض المشاكل العالقة وأبرزها وضع اليد على أراضيهم في مختلف البلدات منذ ما قبل الحرب وحتى اليوم. وفي هذا الإطار يتحدّث راعي أبرشية بعلبك ودير الأحمر للموارنة المطران حنا رحمة لـ»نداء الوطن» عن واقع المسيحيين في المنطقة خلال الأزمة الإقتصادية، ويقول: «إنّ حالتهم هي الحالة نفسها التي يعاني منها كلّ لبناني، وعند الدخول في تفاصيل منطقة دير الأحمر والبقاع الشمالي، نرى أنّ غالبيّتهم دخلت السلك العسكري والقوى الأمنية أكثر من باقي المناطق اللبنانية كجبل لبنان وغيرها، وهذا الأمر جعلنا نرى مستوى معيناً من الناس وصل إلى حالة العوز الحقيقي كون الناس بغالبيّتهم موظّفين».

 

أضاف: «ومن الطبيعي أنّ من لا يزال لديه إرتباط ببلدته يكون وقع المشكلة عليه أخفّ ممّن يسكنون في بيروت، وذلك بسبب اعتماده على الزراعة واستصلاح أرضه وعودته إلى منزله، ويقاوم عبر ذلك المصيبة الإقتصادية التي لحقت بلبنان، فيما المشكلة الكبرى تلحق بالمتقاعدين من قوى الأمن الداخلي بسبب غياب التغطية الصحّية الكاملة والتعويضات التي لا تساوي شيئاً. واليوم نحنا أمام أزمة مخيفة والناس بدأوا يصلون إلى مرحلة الهستيريا واليأس والإحباط، ونحن من موقعنا نقف إلى جانب الناس ونؤمّن لهم إحتياجاتهم الغذائية والطبّية قدر المستطاع، كذلك تكاتف الناس مع بعضهم البعض، وتكاتف المغتربين معنا».

 

وقال: «لكنّنا بدأنا نشعر بالضيق، فالمركز الطبّي في دير الأحمر (مستشفى المحبّة) كان أمام تحدّي الإقفال منذ سنة وما زلنا صامدين حتى اليوم، وزدنا الرسوم التي كانت في السابق 3 آلاف ليرة كي نستطيع تأمين الرواتب والكلفة التشغيلية، بعدما غادرت المؤسّسات التي كانت تدعمنا، ومن هنا نقول إنّ لا أحد مجتمعه أفضل من مجتمع الآخرين، فجميعنا في وضعٍ خانق».

 

«في رقبة» السياسيين

 

ويضع المطران رحمة ما نعيشه اليوم «في رقبة كلّ سياسي وزعيم ونائب ووزير ورئيس كتلة نيابية، فكلّ إنسان يموت في منزله «عالسكت» بسبب عدم قدرته على دخول المستشفى أو تأمين الطعام، دمه برقبة كل من يصرف الوقت ولا ينتخب رئيساً للجمهورية، ولا يساعد في استقامة الدورة السياسية والحياتية والإقتصادية».

 

ويتحدّث رحمة عن صمود منطقة دير الأحمر وازدهارها وخصوصاً بعد خروج السوريين من لبنان، حيث زادت نسبة بناء الوحدات السكنية في الدير إلى أكثر من ثلاثة آلاف وحدة، وترافق ذلك مع العودة إلى المنطقة، بخلاف المناطق المختلطة التي لم تشهد زخماً في العودة المسيحية بسبب غياب الأمن والإرتياح، والتعدّي على المنازل والأراضي، ويشير إلى أنّ هناك كثيراً من الأراضي في البقاع الشمالي ممسوكة من غير المسيحيين، ولا يعيدونها إلى أصحابها لاستصلاحها واستخدامها وبالتالي يمنعون العودة.

 

ويضيف: «من هنا أقول: إنّ هذا خطأ من قبلنا، ومسؤولية إخواننا المسلمين سنّة وشيعة الذين يقع عليهم عاتق الحرص أكثر من الأبرشية لإعادة الأراضي لأصحابها والناس إلى منازلهم وخصوصاً في هذه المرحلة، مشيراً إلى عدّة حالات تحصل في هذه الفترة، سواء عبر مطالبة أصحاب الأراضي بالعودة إليها ورفع الدعاوى القضائية، حيث يمتنع من يضع يده عليها عن إعادتها والتنازل عنها، بل تذهب الأمور إلى مضايقة صاحب الأرض واعتراض طريقه مرّات، كذلك يتمّ بيع الأراضي بغياب أصحابها عبر أقربائهم، سواء عبر التزوير أم غيره، وكل ذلك غير سليم».

 

ويشير المطران رحمة الى أنّ العودة إلى تلك المناطق، وخصوصاً البلدات خارج منطقة دير الأحمر تحتاج إلى واقع أمني سليم وانتشار للجيش، «فقبل أزمة «كورونا» عملنا على استرداد عدد من الأراضي، وكنا قد أخذنا منحى تصاعدياً في الحلول، غير أنّ الأزمة الإقتصادية والصحّية حالت دون استكمالنا المشروع، كذلك تجنّباً للاصطدام في هذا الوقت الصعب والحساس، وعليه يحتاج الأمر إلى واقع أمني مستقرّ، وهو ما نحتاجه في بعلبك الهرمل، فالوضع الأمني فيها أكثر خطورةً من باقي المناطق»، داعياً إلى «حلّ المشاكل العالقة المتعلّقة بالأراضي في القرى والبلدات التي نزح أهلها وأصحابها منها منذ ما قبل الحرب، وعودة الناس إليها، وكما نطالب بعودة النازحين السوريين إلى أراضيهم، ونعتبر فلسطين قضية مركزية، كذلك بالنسبة لنا عودة المسيحيين إلى قراهم وأراضيهم في البقاع الشمالي قضية مركزية». وأعاد المطران رحمة التأكيد والمطالبة بحلّ مشكلة مياه المجارير والصرف الصحّي التي تغزو أراضي وسهل دير الأحمر وتصبّ في النهر مسبّبةً الأذى والضرر للتلاميذ وأبناء المنطقة ولأراضيهم الزراعية وللمياه الجوفية.

 

وعن العلاقة مع المحيط والشركاء في البقاع الشمالي، قال: «إن واضعي اليد على الأراضي والمعتدين عليها معروفون، لكنّ الأغلبية الساحقة في المنطقة هم شعبٌ طيب يعيش مع بعضه، فعلاقتنا مع الأحزاب في المنطقة من «حزب الله» إلى حركة «أمل» وغيرهما علاقة سليمة جداً، لأنها صادقة ومبنية على الإرادة اللبنانية ونتّفق مع كلّ إنسان لديه إرادة صالحة»، مؤكداً «أنّ الخارجين عن القانون والمعتدين على الأراضي هؤلاء يجب أن يكونوا «مرذولين» من كل الناس»، مقدّماً الشكر للجيش اللبناني ومديرية المخابرات لا سيّما فرع البقاع على إنجازاتهما، مشيراً الى أنّه طلب من قائد الجيش أن تكون العمليات الأمنية نظيفة لا يسقط خلالها ضحايا، سواء من الجيش أم المطلوبين.

 

وختم بالقول: «في البقاع الشمالي هناك قناعة راسخة بأنّ المخدّرات هي وسيلة للحياة الكريمة، وهي أكثر وسيلة مدمّرة لمجتمعنا وشبابنا، وهذا أمرٌ مخيف. وعليه، يجب البحث جدّياً بموضوع تشريع زراعة الحشيشة وتحويل الشرّ إلى خير».