غالب ياغي لـ«المستقبل»: المزاج البقاعي لم يعد لمصلحة الحزب
بعلبك ـالهرمل.. صفعة «بلدية» على جبين «حزب الله»
لم يشفع التجييش المذهبي ولا الطائفي الذي يمتهن «حزب الله» ممارسته عند كل إستحقاق، في تحقيق ما كان يصبو أو يطمح اليه الحزب وهو فوز اللوائح التي أعدها وأشرف عليها وتبنّاها وصرف عليها أموالاً طائلة من ماله «النظيف» والتي خاض بها الإنتخابات البلدية والإختيارية في مدينتي بعلبك والهرمل. كما لم ينفعه الاتيان بالمجنسين من داخل الاراضي السورية للتصويت للوائحه، في تحقيق أي إنجاز نوعي يُمكن ان يُفاخر به أمام جهوره الذي بدأ يتضاءل شيئاً فشيئاً ضمن مناطق تُسمى «عقر داره».
بوجه شاحب وملامح لا «تفسّر» بدا الإنزعاج عليها واضحاً، أطل نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم عبر شاشات التلفزة في اليوم التالي للعملية الإنتخابية خلال مؤتمر صحافي كان جرى تأجيله من الساعة الحادية عشرة من ليل الأحد، ليُعلن خلاله فوزا منقوصاً غير مُكتمل وليُقر بـ»هزيمة» أولية تلقاها في مدينة الهرمل تمثلت بسقوط أحد أهم رجاله مصطفى طه رئيس إتحاد بلديات الهرمل. أمّا الضربة الثانية فقد تمثلت بكلمة «لا» قالها أكثر من 46 في المئة من أصوات أهل مدينة بعلبك استقرّت داخل صناديق تابعة للائحة العائلات، والمفارقة أنّها من المرّات القليلة جداً التي سعى فيها «حزب الله» للتحالف مع هذا الكم من الاحزاب والتيارات والشخصيات لضمان فوز لوائحه بحيث تجسد تحالفه هذا مع كل من حركة «أمل« و«التيار الوطني الحر« و«الحزب الشيوعي« اللبناني و«جمعية المشاريع الخيرية« و«حزب البعث« وشخصيات مثل النائب إميل رحمة الذي عجز هو الآخر عن تأمين او ضمان أصوات أقرب المقربين اليه لصالح لائحة «حزب الله«. كما تلقى الحزب ضربة قاسية في يونين الشمالي في بعلبك مع فوز المرشح علي عبدالله قصاص ضد مرشح حزب الله للمخترة.
قبل شهر تقريباً من موعد الإنتخابات، حاول «حزب الله» استمالة كبرى العائلات البقاعية لصالحه، لكنه منذ البداية لاحظ تململاً واضحاً في الوسط البقاعي و»البعلبكي» على وجه الخصوص بحيث لم تكن معظم تلك اللقاءات تنتهي سوى بكلمة «إن شاء الله خير». عندها بدأ يسعى الحزب إلى إستمالة الأهالي من خلال التجييش المذهبي واستغلال مناسبات تشييع عناصره الذين يسقطون في سوريا أو خلال المهرجانات الخطابية الدعائية التي أقامها تحت حجّة تكريم «الشهداء» من اجل دفع الناس إمّا ترغيباً وإمّا تهديداً للتصويت للوائحه، حتّى أنه اعتمد لغة «التكليف الشرعي» تماما كما ظهر في احد اللقاءات الانتخابية التي دعا خلالها الوزير حسين الحاج حسن وبأمر من الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله الى التصويت للوائح المدعومة من الحزب.
شعور نصرالله بخطورة الوضع الانتخابي في البقاع، جعله يتطرق خلال اطلالته الاخيرة الى دعوة «المجتمع المدني» الاحزاب السياسية الى ترك الانتخابات البلدية محصورة بين العائلات، حيث وصفها بـ»الدعوة الخطيرة». لكن المزاج الشعبي في كل من بعلبك والهرمل كان معاكساً لدعوة نصرالله التي لم تلقَ آذاناً صاغية بالحجم الذي كان يعتقده، فعلى سبيل المثال هناك من انتقد صرف الحزب مئات آلاف الدولارات على العملية الإنتخابية وقبلها على أعمدة نصب للشهداء في بعلبك والهرمل، في وقت يرزح فيه أبناء هذه المناطق تحت وطأة الفقر والعوز من دون ان يلتفت الحزب إلى أوضاعهم أو تأمين أقل إحتياجاتهم لا من خلال عمل البلديات التابعة له، ولا من خلال مؤسساته الإجتماعية التي تقوم على عائدات هذه البلديات من الدولة اللبنانية.
مصادر قريبة من الأمين العام السابق لـ»حزب الله» الشيخ صبحي الطفيلي في بلدة «بريتال» التي شهدت تنافساً حاداً بين اللائحة المدعومة من العائلات في مواجهة لائحة الحزب، أكدت أن الشيخ قاسم كان يُدير عبر عدد من القريبين منه عملية الانتخاب وبأمر قيادي جرى توزيع المال الانتخابي على مرأى ومسمع من الجميع لكن من دون حسيب أو رقيب. وتؤكد المصادر نفسها أن الوضع السوري وغرق «حزب الله« في الحرب السورية دفعه ليهتم أكثر في إطفاء الأصوات المعارضة عبر استخدام المال السياسي، ومحاولة تشتيت الصوت السني وكذلك المسيحي عن طريق ضم عائلات سنية ومسيحية إلى لائحته. وفي هذا السياق يُمكن ملاحظة أن الحزب عجز عن تطويع المجتمع المحلي، في حين قابله نجاح المجتمع المدني في فرط حزب الله داخل العديد من القرى والبلدات حيث تنافس عدد من مرشحيه في لوائح متقابلة.
من جهته أكد رئيس لائحة «بعلبك بالقلب« رئيس البلدية السابق المحامي غالب ياغي لـ»المستقبل» أن «المال الإنتخابي لعب دوره في العملية الإنتخابية وأن الحزب الذي حرم المدينة وأهلها من الإنماء والمساعدات طيلة السنوات الماضية، حاول إستمالتهم بالأمس عبر ماله «النظيف»، وهو إن نجح في بعض الأمكنة لكنه فشل في أمكنة اخرى خصوصاً وأن هذه الفئة الاخيرة قد لمست بشكل لافت مدى تراجع حجم الإنماء في المنطقة لصالح الحرب التي يخوضها الحزب في سوريا، فقد جاءت هذه الحرب لتقضي على آمال أهالي بعلبك والهرمل بالعيش بأمن وأمان على عكس الأيام هذه التي لا يمر فيها يوم إلا ويُشيّع خلالها عدد من أبنائنا واخوتنا».
وتابع: «إن مصادرة قرار المدينة من قبل حزب الله منذ عام 2004 أدّى إلى تراجع المدينة السياحية الأثرية، مدينة المهرجانات والحياة، فالتفلت الأمني والفوضى حوّل المدينة التي كانت تضجّ بالحياة إلى مدينة شبه خالية حتّى من أبناء جوارها الذين أصبحوا يخافون زيارتها. إبن بعلبك الذي يسكن في المدينة يخشى القدوم اليها خشية تعرضه إما للسرقة أو للضرب أو حتى للقتل على يد بعض المحازبين، لذلك صرختنا بوجه لائحة التحالف هي من أجل التغيير لتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي والأمني في المدينة«.
ويختم ياغي حديثه بالقول: «مما لا شك فيه أن «حزب الله» مارس ضغطاً كبيراً على أبناء بعلبك والهرمل، وقد استغل عوز البعض وحاجاتهم وهو كان يُعد العدّة لمثل هذه الساعة منذ زمن لأن المال الذي استحضره لم يكن وليد ساعته، ومن هنا قد تأكد للجميع أن الإنتخابات البلدية بالنسبة الى الحزب تشبه الى حد بعيد حربه في سوريا التي يدخر لها المال بشتّى الطرق. كل هذا التجييش العنصري والتهديد اللذين لا يليقان لا بالمدينة ولا بأهلها ولا حتّى بتاريخها، قد أصدره الحزب بتكليف «إلهي» بعد أن لمس تغييراً واضحاً في المزاج البقاعي لغير صالحه وهذا ما سوف تثبته السنوات المُقبلة».