صراعات «الرفاق» في حزب «البعث« اللبناني تتفاقم، على وقع الانهيارات التي يعانيها «البعث« السوري. المعركة بين «شباب العُربِ» في لبنان تأخد طابع «اثبات الشرعية»، في وقت فقد فيه «البعث« السوري شرعيته وبات من الماضي غير المأسوف عليه. فَقَدَ «البعث« اللبناني ضابط ايقاعه، المُنشغل بقتل شعبه، فطافت المشاكل بين جناحَي الأمين القطري الحالي فايز شكر والنائب عاصم قانصوه على السطح.
فبعد جولات سابقة من «الاشتباك« بين فايز شكر وقانصوه، سدّد الأخير هدفاً في شباك الأول بإبعاده، بالتواطؤ مع بعض الاطراف السورية، عن موقع قيادة «البعث« في لبنان. ولكن يبدو أن الرياح سارت بما لا تشتهي سفن قانصوه. فقد اعتبر شكر، الامين القطري لحزب «البعث« في لبنان، في اتصال مع «المستقبل»، إنه «يمثّل الشرعية داخل البعث». وقال:»لا داعي للحديث عن الموضوع، فلا مكان لكل ما يشاع حول التغيير. عقدنا اجتماعاً للقيادة الحالية، حيث أكد المجتمعون الاستمرار بالقيام بواجبهم ومهامهم الحزبية بعيداً عن اي ضجيج«.
«الماتش» بين القياديَّين ليس وليد اللحظة، وهو لم يكن ودياً.الخلافات مزمنة.الانقسامات بدأت بالظهور الى العلن يوم قرّر شكر، مستثمراً الضياع السوري، تجميد عضوية عدد من الفاعلين في جناح قانصوه (النائب الحالي قاسم هاشم، عدنان حداد، رولا السمراني، ومصطفى شحود وغيرهم). يومها خرج «أبو جاسم» عن طوره ووصف عملية اعادة انتخاب شكر بـ»غير الشرعية»، وذلك قبل أن يتدخّل آنذاك «الأب الروحي» رستم غزالي لحل الخلاف داخل «رعيته«.
مصادر مقرّبة من حزب «البعث« – فرع لبنان ومطّلعة على سجالاته الداخلية، أكّدت في حديث الى «المستقبل»، أن القرار بحل القيادة القطرية للحزب جاء بناء على توصية سورية، بعد أن تفاقمت الازمات الداخلية وبدأت القيادات بـ»نشر غسيلها» على العلن.
ورأت المصادر أن «الكباش بين شكر وقانصوه، ليس كباشاً حزبياً وحسب، انما هو صراع مناطقي ضيّق يلبس لبوس الصراع الحزبي. فالرفيقان ينتميان الى منطقة البقاع الشمالي، وكلاهما له طموحات سياسية انتخابية على صعيد دائرة بعلبك-الهرمل«.
وبرأي المصادر، فإن «احد الاسباب الرئيسة التي يعمل عليها فريق قانصوه لاطاحه فايز شكر، هو في طروح الاخير السياسية التي اختلفت في الآونة الأخيرة عما تطلبه منه القيادة السورية. تحدّث شكر في أكثر من مناسبة بمنطق مذهبي، ربما لكسب تعاطف بيئة البقاع الشمالي، الأمر الذي رفضه البعث، وهو أحوج ما يكون اليوم الى خطاب موجّه الى الشارع السنّي«!.
وبالاضافة الى ذلك، تعتقد المصادر، «إن ما تعرض له رستم غزالي، وهو الداعم الأول لشكر، أضعف موقف الأخير داخل البعث»، مؤكدة أن «ما تبقى من قيادات للبعث في سوريا، تفضّل أن يكون الأمين القطري للبعث اللبناني في هذه المرحلة سنياً ومن البقاع الغربي تحديداً. فالشريط الممتد من البقاع الاوسط حتى البقاع الشمالي يُعتبر ممسوكاً بشكل جيّد، نظراً الى تواجد حزب الله الكبير في تلك المناطق. والمطلوب في المرحلة الراهنة شخصية سنية تملأ الثغرة في الشريط الممتد من البقاع الغربي الى شبعا«.
وفي هذا السياق، تحدّثت بعض المصادر عن اختيار المحامي عبد المعين غازي من بلدة المرج في البقاع الغربي، المقرب من عبد الرحيم مراد (ابرز حلفاء الاسد في البقاع) والمرشح عن احد مقعدي السنة في المنطقة، ليخلف شكر في منصب الامين القطري للحزب. كما تحدثت عن اختيار قيادة جديدة تضم كلاً من: صبيح يونس وأديب الحجيري وأحمد عثمان وعبد الحميد صقر وبولس بطرس وغسان صليبا وواصف رحيل وقاسم هاشم ونزيه عبد الخال وآخرين .
ولكن بحسب هذه المصادر، فإن غازي لا يحق له، وفقاً للقانون الداخلي، أن يشغل منصب الامين القطري. فقانون البعث يمنع من لا يمتلك الممارسة الفعلية للقيادة في المواقع الدنيا والمتوسطة والخلية والشعبة والفرع لاكثر من 20 عاماً بأن يتبوأ هذا المنصب، فضلاً عن غياب المؤتمر القطري الذي يؤدي عادة الى اختيار القيادة الجديدة .
وبينما تترقب اوساط «البعث« إعلان القيادة القطرية الجديدة رسمياً، توقعت المصادر أن تنطلق قريبا معركة داخل البعث تحت عنوان «الشرعية واللاشرعية». فهل يرضخ شكر للأوامر السورية، أم أنه سيعلن عصياناً داخلياً على القيادة الجديدة، أم أن حزب البعث سيشهد «حركات تصحيحية» في ظل النزاعات المختلفة التي تشهدها الساحة السورية؟