«أيقبل البعث أن تثرى زعانفه باسم النضال ثراء ما له سبب من أين جاؤوا به حقاً وجلهم ما زادُهم أبداً علم ولا أدب ولا تشقق كف فوق معوله في الحقل يوماً ولا أضناهم التعب ولا تجلى على أيديهم هدف ولا تحررت الجولان والنقب» (الشاعر البعثي العلوي حسن الخير قتل سنة بظروف غامضة)
رحم الله ميشال عفلق، من المؤكد أنه عندما عاد من باريس، من جامعة السوربون حاملاً أحلامه الوردية عن انبعاث الأمة العربية ذات الرسالة الخالدة، لم يكن يعرف إلى أي نوع من المخلوقات سيتحول أبناء هذه الفكرة الرومنسية.
عندما اخترع ثالوث حزبه المقدس حول الوحدة والحرية والاشتراكية، لم يكن المسكين يعرف أن تلامذته البعثيين سيفتتون الوحدة ويغتالون الحرية ويحولون الإشتراكية إلى فساد وإثراء غير مشروع في أيدي حثالة الناس.
لقد عاش ميشال عفلق رغم ذلك ليرى أبناء البعث يقتلون بعضهم البعض، وعاش ليشهد ولادة وحوش من مدرسة البعث في سوريا والعراق، نكلوا بالبشر والحجر والأعراض والإقتصاد وكفروا العرب بالعروبة وحولوها كما قال نزار قباني إلى «لعنة وعقاب».
أسوأ ما في الأمر هو أن أبناء ميشال عفلق هجروا أو سجنوا أو قتلوا كل صاحب عقل أو مبادرة أو قدرة أو نفس كريمة، ليحل مكانهم المتخلفون والكسالى ولاعقو الأحذية الذين لا هم لهم إلا اختراع الشعارات السخيفة لتمجيد الرئيس القائد الأب الملهم.
بالنتيجة، فقد تحولت الجامعات في ظل البعث إلى مزارع لتفريخ تفاهة الفكر والأساطير الحزبية الركيكة والتعاويذ المالية والإدارية لتشريع نهب مقدرات وثروات الامّة ووضعها في أيدي قلّة من الحكام السفّاحين بدل أن تكون مجالات رحبة للفكر الحر والعلم والإبداع.
تلك المدرسة لا تخرّج محامين بل تنتج بلطجية مثل الذين اعتدوا على المحامين اللبنانيين في مصر، وهم إن كانوا بصفة محامين في الإجتماع، فهم بصفة شبيحة في الشارع، وجلاّدين في السجون، ولاعقي أحذية في حضرة ضابط المخابرات.
أنا واثق أن ميشال عفلق كان تمنى لو أنه لم يعش لينشئ هكذا مدرسة لم يبقَ منها إلا السقوط الأخلاقي.
() عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»