Site icon IMLebanon

“بيبي جايدن”… إبتسامة ملاك محارب يأبى أن يستسلم

 

هو ذكي وعيناه تقولان ما تعجز عنه قواميس الدنيا

 

 

إنه جايدن. إنه الملاك جايدن، الذي عجز المرض عن جعل عينيه تتكلمان. يا الله كم يصغر كلّ شيء أمامه. يا الله كمّ تُصبح كل مشاكل الأرض سخيفة أمام نظرة جايدن وحركة رموش عينيه وثغره ويديه وقدميه وقلبه ونبضاته. جايدن، الطفل الجميل، الذي هو نعمة من السماء يحتاج الى أقل من مليوني دولار ليعيش. مبلغٌ يبدو خيالياً لكنه لا شيء، بصدقٍ ولا ولا شيء، أمام من يلمس وجنته وينظر في عينيه ويتأمل في مصائب الحياة الصغرى والكبرى. نبتسم له. نبتسم معه وننظر حيث ينظر إلى زرقة السماء ونتمنى أن تتحقق مقولة: بعد كل عسر يسر. رجاءً، أنقذوا بيبي جايدن الذي أمامه يصغر أيّ شيء آخر.

الصبر صبران، صبر على ما نكره وصبر على ما نُحب. أمام جايدن ووالدي جايدن وأمام صبر أم جايدن كارولين وأب جايدن عزيز. في منزلهما حبّ كبير كثير. وعند المدخل رفعت عبارة: يا ربّ بارك هذا المكان. هرة، فقدت إحدى عينيها، إقتلعها مجرم تبنتها كارولين وكلب، في الجوار، يعيش في أمان. الداخل يشعر بأمانٍ في بيت الطفل جايدن، الجبار، الذي يُحارب ليعيش ويصمد.

 

هو موعد دوائه. تغني له كارولين ليأخذه. يحرك عينيه في كلِّ الإتجاهات وهو يمضغه. نقف قبالته، جنب سريره، وننصت الى صوت آلات التنفس التي تطغى على صوت نبضات قلبه. هو يتحدى ليعيش. البارحة، قبل يومين، في 28 أيار بلغ الثمانية أشهر. نحو 240 يوماً مضت على إطلاق جايدن أولى صرخات الحياة. ومع كل فجر جديد أمل جديد بأن جايدن باق، ما زال باقياً، وسيبقى ينبض. نصلي لذلك. نتمنى ذلك. ونتلو الأبانا والسلام على أمل أن يتحقق ذلك.

 

في 27 أيلول عام 2022 تزوج عزيز وكارولين، وبعد عام بالتمام والكمال، وُلد جايدن. لم يعطَ الإسم عن عبث. إنه يعني الحجر الكريم الأخضر اللون الذي يرمز الى الشكر والإمتنان. هو وُلد قيصرياً وتقول الوالدة: «كل شيء كان «تمام» لكني شعرت بأن شيئاً ما ليس بخير. لم أعد أشعر بحركته في آخر شهر قبل ولادته. أخبرتُ زوجي. أخبرتُ الطبيب. لكن الجميع قالوا لي: لا داعي للذعر. ولد جايدن. وبعد شهرين لاحظنا أنه لا يستطيع رفع رأسه ولا رفع قدميه ويديه. راجعنا أكثر من طبيب وكانت المعلومات تتضارب». الآلة التي يتنفس بها أوكسيجين الحياة تطن فتهرول والدته في اتجاهه. يقرع أحدهم الباب فتهرول باتجاه الباب. نراها تركض من مكان الى آخر من دون أن تتخلى عن ابتسامة مجبولة بأمل.

 

من اليوم الأول…

 

هي حياة صعبة. جارة كارولين سينتيا لا تتركها لحظة. «فالجار للجار». ثمة خير- ما زال- في البشر. ثمة أناس تابعوا قصّة الطفل جايدن ويساعدونه باللحم الحيّ، ولو بدولارٍ واحد، واحد فقط، ليصمد الطفل. ودولار وراء دولار قد تتحقق المعجزة ويتأمن المبلغ الذي يمدّ في حياته ويبقيه البركة والأمل.

 

تتكلم كارولين. تتنهد. تهرول نحو طفلها. تركض في كل الإتجاهات. هي أم والأم لا تتعب وهي «تتعب» على طفلها. نراقبها ونحن نردد: فلتكن مشيئة الربّ. لكن، كيف تأكدت العائلة من إصابة ملاكها بضمور في العضلات؟ تجيب كارولين: «لم يكن جايدن قادراً على إتمام عملية الرضاعة الطبيعية والمضغ. أخذناه الى أوّل طبيب فقال إنه مصاب بضمور في العضل. أخذناه الى طبيب ثان فقال إنه بخير. أخذناه الى طبيبة ثالثة تدعى ساندرا صباغ (إختصاصية في الدماغ والأعصاب) فأخبرتنا أنها تشك بهذه الحالة ويحتاج جايدن الى فحوصات تحتاج نتائجها لتظهر الى شهر. أجرينا له الفحوصات المطلوبة. وخلال هذه الفترة أصيب بالتهاب في الرئتين وخسر من وزنه 700 غرام».

 

هو ولد بوزنٍ طبيعي أكثر من ثلاثة كيلوغرامات بقليل. لكنه، بسبب صعوبة البلع لديه، خسر من وزنه. وأتت الإلتهابات في الرئتين ليخسر المزيد. هنا، بينما كانت كارولين وعزيز ينتظران صدور النتيجة كانا قلقين. جايدن ليس أبداً بخير. فكرا بذلك وكانا يخافان أن يتكلما عن ذلك. هكذا يحصل عادة حين يخاف الإنسان على عزيز فكيف إذا كان طفلاً رضيعاً. «أدخل جايدن الى العناية الفائقة ويوم أخرج الى الغرفة العادية بدا أصفر اللون كثيراً. حملته بين ذراعي. ضممته الى قلبي. أصغيتُ كثيراً الى تنفسه وفي لحظة، في أقل من لحظة، شعرت بتنفسه يتوقف. صرختُ كثيراً. توقف قلبه نحو ست دقائق فأدخلوه الى غرفة الإنعاش. بعدها، صدرت نتيجة فحوصاته وتأكدنا من إصابته. جايدن مريض ضمور العضلات الشوكي- SMA- من النوع الأول. إنه أخطر نوع قد يصاب به إنسان. والطفل، اي طفل، يصاب به لا يتمكن من الصمود. رهيبةٌ كانت تلك اللحظات. هي أصعب ما قد يتخيله إنسان. وهل هناك أصعب من أن ترى أم أو أب طفلهما يقترب من حتفٍ كان شبه مؤكد؟».

 

اليوم يزن إبن الثمانية أشهر نحو أربعة كيلوغرامات. هو طفلٌ يبتسم لوالديه ويلاحقهما كيفما تحركا بعينيه وهو العاجز عن تحريك رأسه. هما يصران على ضخّ الأوكسيجين في رئتيه مهما كان الثمن. يصليان من أجل ذلك والله يمنحهما القوّة ليثابرا. هو بحاجة الى إبرة واحدة ثمنها مليونان ومئة وخمسين ألف دولار. وبعد توسّط الخيرين خُفّض المبلغ الى مليون و800 ألف دولار وهي موجودة فقط في دولة الإمارات العربية المتحدة. فهل تتخيلون؟ هل تتخيلون أن يحتاج طفل في دولة مثل لبنان الى علاج بهذا الثمن؟ لكن، هل يُترك جايدن لحتفه؟ فلنتصوّر انفسنا مكان كارولين وعزيز فماذا كنا سنفعل؟ نبكي؟ هل البكاء وحده مجدٍ؟ هنا، أخذ الوالدان القرار: إطلاق حملة «أنقذوا الطفل جايدن». نعم، ثمة أناس خيّرون وإن كانوا أقل من الأشرار. «تعاطف العالم معنا- تقول كارولين- وجمعنا حتى الآن 850 ألف دولار». هناك كلام كثير عن استغلال يمارس في هذه القضيّة. كارولين سمعت بذلك وتألمت. نقول لها: ليس هناك من جمرك على الكلام فلترتح. وهي، في النهاية، أمّ. وهناك، جايدن كنزها وهو رئتاها.

 

إضحكلي…

 

صور القديسين في كل مكان. مارشربل حاضر دائماً فوق رأسه وأمام عينيه. وغرفة نوم جايدن أشبه بغرفة مستشفى وتقول كارولين: «وضعنا له كل ما يحتاج إليه ليصمد. شركة التأمين لم تعترف بعلاج حالة جايدن. والمستشفى قرر إخراجه. قلنا لهم: وماذا نفعل بالصبي؟ نحن تقبلنا مشيئة الربّ ونقدم له ما يحتاج إليه ريثما تتأمن كلفة الإبرة التي يحتاج إليها. المسألة الآن باتت مسألة وقت. وجايدن لا يستطيع الإنتظار طويلاً. والآن، نعطيه دواء جرعات، سعر العلبة منه تسعة آلاف دولار».

 

مصير جايدن السيئ أنه ولد في لبنان وأصيب بضمور العضلات في بلدٍ لا يحترم الإنسان. في المقابل، حظّ جايدن الجيّد أنه ولد بين أب وأم لا يعرفان الإستسلام. يبكي جايدن فتركض كارولين نحوه وتحمله بين ذراعيها. تنظر في عينيه وتتحدث معه: «شو يا إمي شو يا روح إمك… الحمدلله على كل شيء… إضحكلي يا حبيبي… وشو بشكرك يا عمري لأنك قوي ومحارب». تنظر إلينا وتخبرنا عنه: «جايدن ذكي جداً. ألمح ذلك في عينيه». ينظر إليها ويبتسم فتقول له: «إضحكلي يا إمي اضحكلي».

 

أَنقِذوا جايدن

 

 

وصل المعالج الفيزيائي جوزف المير. هو يزور جايدن مرتين على الأقل أسبوعياً ويجري له تمارين طوال 45 دقيقة تساعده على تخطي التشنجات. طبياً، يصيب مرض جايدن- الضمور العضلي- العصب في سلسلة الظهر ويؤدي الى شلل العضلات وصعوبة في التنفس لكنه لا يصيب الدماغ. ويقال أن أحد أبرز أسباب الإصابة تتأتى من زيجات القربى. نسأل كارولين وعزيز عن ذلك فتجيب الأم: «لا، نحن لسنا أقارب وهذه الحالة قد تحدث مقابل كل 10 آلاف ولادة إذا لم يكن الأب والأم على قرابة».

 

نغادر منزل كارولين وعزيز وجايدن. نترك «البيبي المحارب» يتابع رحلته الشاقة التي لن تكون بالطبع سهلة لكنها ممكنة. نودعه. نرسل له قبلة عبر الهواء. يبتسم لنا. هي ابتسامة لن يعرف أحد معناها إلا إذا التقى «بيبي جايدن». لذلك، رجاءٍ، لا تقلبوا الصفحة وكأنكم لم تقرأوا ولم تعرفوا.