IMLebanon

حليب الأطفال “غير المدعوم”… مفقود

 

 

لم يقتصر التهريب يوماً على حليب الأطفال وفق ما أكّد وزير الصحّة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور فراس الأبيض، حيث شكّلت المعابر غير الشرعية في البقاع الشمالي إلى جانب تلك التي في الشمال، منصّةً لكافة أنواع المواد التي حُرم منها الشعب اللبناني منذ بدء الأزمة.

 

على مدار السنوات الثلاث الأخيرة ظهرت إلى الواجهة مجدّداً عمليات التهريب على كافة المعابر غير الشرعية التي شقّها المهرّبون وأصبح لكلّ منهم معبر باسمه وصار وصيّاً عليه، وفيما كانت تلك المهنة منذ القدم ملازمة للقرى والبلدات الحدودية يعتاش منها الكثيرون ويجمعون الأموال، ومحدّدةً بالأصناف التي تمرّ عبرها كالمحروقات والمخدّرات والسيارات، إتّسعت دائرة شمولها تلك المواد بعد الأزمة الإقتصادية التي بدأت في لبنان منذ عام 2019، وظهور بدعة الدعم التي استفاد منها كبار التجّار لجني الأرباح على حساب الشعب اللبناني واحتياجاته، والتهريب إلى الداخل السوري الذي يعيش أزمةً حادة منذ عشر سنوات إذ ترتفع الأسعار هناك أضعافاً مضاعفة، حيث وجد المهرّبون ضالتهم عبر بيع المواد التي يتمّ دعمها من الحكومة اللبنانية من الطحين والمحروقات والمواد الغذائية بضعفي سعرها، فيما يقف اللبنانيون وقوف المتفرّج على حقوقهم وهي تمرّ من أمامهم عاجزين عن توقيفها، رغم تكبّد الجيش اللبناني المشقّات إضافة الى المسؤوليات الملقاة على عاتقه في الداخل، والعمل على منع التهريب وإقفال تلك المعابر وملاحقة المهرّبين.

 

مواد كثيرة كانت عناوين التهريب في كل مرحلة زمنية، بدأت مع الزيت والمواد الغذائية في صيف العام2021، لتستمرّ مع الطحين المدعوم العام الفائت، وما بينهما البنزين والمازوت اللذان لم تتوقّف حركة تهريبهما يوماً، ووصل الأمر بالمهرّبين إلى تهريبهما بالغالونات على الدرّاجات النارية، فيما تحمّل الناس تبعات تلك الأعمال على حساب جيوبهم. وبلغت الأزمة أطفالهم الذين لم تتجاوز أعمارهم السنة ونصف السنة بعد رفع الدعم عن الحليب المخصّص لهم ( أبرزها رقم 1 و2 )، بعدما أعلن وزير الصحة الأسبوع الماضي رفع الدعم عن كافة أنواع الحليب، لأنّ الكمّيات المدعومة كانت تكفي لبلدين وتستوردها الدولة اللبنانية لهما في إشارةٍ لتهريبها إلى سوريا، وعدم وجود خطّة قادرة على ضبط التهريب.

 

معاناة الأهالي والعائلات التي لديها أطفال رضّع في بعلبك الهرمل تزايدت خلال الأسبوع المنصرم، وفيما كانوا يعيشون الأزمة بفقدان الحليب وتهريبه وارتفاع سعره ربطاً بسعر الصرف، إرتفعت أصواتهم بعد رفع الدعم نهائياً وفقدانه من الصيدليات بسبب تخبّط الأخيرة في تحديد السعر الجديد، ولجوء بعضها إلى سياسة السوق السوداء التي اعتمدتها سابقاً في الأدوية، غير أنّ الرضيع الذي يحتاج إلى علبةٍ حليب كل ثلاثة أيام لا يستطيع أن ينتظر قراراً وزارياً أو حكومياً أو رضى مصرف لبنان على الشركات المستوردة.

 

أكثر من صيدلية في بعلبك جال عليها أحد المواطنين الذين التقتهم «نداء الوطن» من دون أن يلقى طلبه، وفي حديثٍ له أشار الى أنّ طفله لم يبق لديه أي حبة من الحليب منذ يوم أمس، مردفاً أنه بالإضافة إلى تكبّده عناء التنقّل من صيدلية إلى أخرى لعلّه يلقى طلبه، يتحمّل الأسعار التي تكوي جيبه ولا يعرف كيف يؤمّن المال، حيث كان يشتري العلبة بـ350 ألفاً. وحول البديل الذي يعطيه لولده بعد انقطاع الحليب عنه، ذكر أنّه حصل على علبةٍ من أحد الخيّرين لكنها لم تلائم طفله، فاشترى الحليب الطبيعي له رغم معرفته أنه ثقيلٌ على معدته كونه لم يكمل عامه الأول وقد تكون له تبعاتٌ صحية، لكن لا حيلة له غير ذلك بانتظار أن يتأمّن الحليب، كذلك قامت زوجته وفق حديثه بتحضير البطاطا و»هرسها» جيداً لطفله لعلّها تسدّ جوعه وتخفّف صراخه.

 

من جهته، أوضح الصيدلي محمد ل. أنّ الشركات المستوردة توقّفت عن تسليم الحليب منذ أسابيع بسبب تقلّبات سعر الصرف والمؤشّر الذي يعتمده الصيادلة يومياً للبيع، وعليه باع الكمّيات التي كانت عنده للمواطنين، فيما لم يستطع أن يؤمّن إحتياجات عشرات الطلبات التي كانت تقصده يومياً، مضيفاً أنه من المتوقّع أن يتوفر الحليب لديه اليوم أو غداً على أبعد تقدير بانتظار تحديد السعر الجديد.

 

وبانتظار أن يتوفّر الحليب في الصيدليات وتنتهي معه معاناة الناس رغم ارتفاع سعره، تبقى قضية التهريب لمختلف المواد تحتاج الى حلّ جذري.