لم يجد بشار الأسد ما يلوّح به في وجوه الذين باتوا يهدّدونه فعلياً وجدياً، بعدما بات «قيصر» يقف على أبواب دمشق، إلا بقايا «شراذم» حزب البعث الذي بقي منسياً على مدى سنوات طويلة منذ أزاح «القدر» من أمامه شقيقه باسل بحادث سيارة، لا تزال تدور حوله الشبهات، في 2 يناير (كانون الثاني) عام 1994، ثم إنه لا تزال تدور تساؤلات كثيرة أيضاً حول مقتل زوج شقيقته، آصف شوكت، في انفجار لا يزال غامضاً، كان استهدف مكتب الأمن القومي السوري الذي كان محصناً بطريقة معقدة.
كان حافظ الأسد قد توفي بالمرض العضال في عام 2000 بعد حكمٍ بالحديد والنار، كما يقال، بدأ فعلياً وعملياً في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1970، وهذا مع أنه كان رقماً رئيسياً في معادلة النظام منذ عام 1966 وكان أساسياً في اللجنة العسكرية السرية التي تشكلت بعد الوحدة المصرية السورية في القاهرة خلال وجود عدد من كبار الضباط السوريين هناك، بدون أي عمل وأي مهام، ومعظمهم من الضباط «العلويين» مثل محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد وأحمد المير، وحقيقة أنّ هؤلاء هم الذين قاموا بالانقلاب على «الانفصاليين» في 8 مارس (آذار) عام 1963.
والمعروف أنّ الصراع قد دبّ بين رموز هذه المجموعة، التي كان يتصدرها اللواء صلاح جديد، وإلى أن أصبح حافظ الأسد، الذي احتفظ بموقع وزير الدفاع لأعوام عدة، القوة الرئيسية في هذه المجموعة، إلى أن قام بانقلابه على رفاقه في نوفمبر عام 1970 واعتقلهم، وبخاصة صلاح جديد، ويوسف زعين، واثنين من الأردنيين، هما ضافي الجمعاني، وحاكم الفايز، وآخرين من بعض الأقطار العربية، إلى أن توفي بعضهم في سجن المزة (المعروف) وخرج الآخرون لينتظروا الموت لاحقاً، كرئيس الدولة نور الدين الآتاسي، ورئيس الوزراء يوسف زعين، ووزير الخارجية إبراهيم ماخوس، ووزير الداخلية محمد عيد عشاوي.
المهم أنّ حافظ الأسد بقي يحكم «القطر العربي السوري» بقبضة من حديد، وأنه استعان بعدد من المساعدين، من بينهم عبد الحليم خدام، الذي أصبح نائباً له لفترة وجيزة، ومصطفى طلاس الذي كان رئيساً للمحكمة العسكرية التي كانت حاكمت بعض المنشقّين عليه، والمعروف أنّ هذين الاثنين قد أصبحا في عهد ابنه بشار (الرئيس الحالي) لاجئين سياسيين في فرنسا، وقد توفيا هناك، ودفنا كغيرهما في ديار الغربة كصلاح البيطار الذي تم اغتياله في باريس عام 1980 بعدما رفض التعاون مع الرئيس السوري السابق، وقد تم دفنه في بغداد، مع أنه «شامي» أصيل، وكان المفترض أن يدفن في دمشق.
وهكذا؛ وبالعودة إلى البدايات فإنّ بشار الأسد، الذي هبطت عليه مسؤولية حكم دولة، ليس من السهل حكمها، وحيث توصف سوريا بأنها بلد الانقلابات العسكرية المتلاحقة، قد أهمل حزب البعث الذي من المفترض أنه قد «أهَّل» والده حافظ الأسد إلى حكمٍ تواصل على مدى كل هذه السنوات الطويلة منذ عام 1970 حتى وفاته، وتواصل معه هو منذ عام 2000 حتى الآن.
ومشكلة بشار الأسد بعد كل هذه السنوات أنه لم يقرأ تاريخ هذا البلد، بلد الألاعيب السياسية والانقلابات العسكرية، جيداً، وأنه لم يأخذ بعين الاعتبار أنّ حزب البعث الذي من المفترض أنه كان القاطرة التي أوصلت والده إلى الحكم هو حزب انقلابات عسكرية، وأنه كان عليه ألا يُهمله بعد كل هذه السنوات الطويلة، ولم يتذكره إلا بعدما جاء «قيصر» كحالة سياسية، ليستهدف وجوده على رأس دولة لا تزال تحمل عنوان «الصراع على سوريا»!!
إنّ مشكلة بشار الأسد الذي تربّع حتى الآن على سدة الحكم كل هذه السنوات الطويلة أنه لم يتذكر «حزب البعث» إلا بعدما بات «قيصر» هذا يقف له على باب قصر الرئاسة في منطقة «المهاجرين»، وأنه بادر إلى لملمة شمل حزب بقي على مدى كل هذه الفترة الطويلة على رصيف الحكم ورصيف العملية السياسية، في بلد تناوبت عليه أنظمة كثيرة، وشهد انقلابات عسكرية متعددة متلاحقة؛ أولها انقلاب حسني الزعيم في عام 1949 على الرئيس شكري القوتلي، وأخيراً وليس آخراً، انقلاب والده على رفاقه في عام 1970… والقادم أعظم كما يقال.
بشار الأسد لم يتذكر حزب البعث، الذي كان ما تبقى منه قد توفي مع وفاة والده حافظ، إلا بعدما باتت التحديات الفعلية تقرع أبواب مقره الرئاسي، وهنا، وفي مثل هذه الأمور، فإنه لا قيمة إطلاقاً لتلك الحكمة القائلة: «أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً». فقد سبق السيف العذل، ولعلّ ما هو منتظر، وهو ما يعرفه الرئيس السوري معرفة أكيدة، هو أنّ رامي مخلوف ابن خاله بات يعدُّ نفسه للانتقال من بيته الذهبي في دمشق، إلى قصر الرئاسة… وإلا ما معنى ألا يشمله الأميركيون بقرار «قيصر» الذي بات يفعل فعله في سوريا وبهذا النظام المهترئ.
لقد أصبحت سوريا ساحة صراع إقليمي ودولي، منذ عام 2011 حتى الآن… وحقيقة وقبل ذلك، هناك الإسرائيليون والأميركيون والروس والإيرانيون والأتراك ورئيسهم رجب طيب إردوغان الذي قد تجاوزت تطلعاته الإمبراطورية الحدود كلها، وقفز بهذه التطلعات إلى أفريقيا، مستعيناً بالتنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين» وبحركة «حماس» الفلسطينية، وأيضاً بقطر، وبعض الدول العربية التي ليس فيها مجرد ذرة واحدة من العرب والعروبة!!
والواضح أنّ غالبية العلويين (أبناء الطائفة العلوية) باتوا على قناعة راسخة بأنّ عائلة الأسد قد انتهى دورها مع الرئيس الحالي بشار الأسد، وأن البديل لحزب «البعث»، الذي انتهى دوره هو أيضاً، بعد كل هذا المشوار الطويل الذي «ابتلع» خيرة قياداته العلوية… وأيضاً السنية والدرزية، هو الحزب «القومي السوري» الذي بالإمكان أن يكون واجهته رامي مخلوف، على اعتبار أنّ هذه العائلة كلها إمّا منتمية لهذا الحزب، أو موالية له سياسياً واجتماعياً.
ويقيناً، إنّ تحقيق هذه الافتراضات هو في غاية الصعوبة، فالشعب السوري الذي باتت أكثريته منثورة في 4 رياح الأرض، لا يمكن أن يقبل بوصاية «علوية» جديدة، ثمّ إنّ ما بات معروفاً ومؤكداً أنّ القرار في هذا البلد الذي كان ولا يزال ساحة صراعات دولية وإقليمية، لم يعد قرار «العلويين» بعد كل هذه التحولات الراهنة والمتوقعة، وبعد إزاحة هذا النظام الذي غدا مهترئاً بالفعل، والذي قد يتحوّل الصراع عليه إلى مواجهات طائفية، وإلى تدخلات خارجية، من أهمها التدخل الإسرائيلي، وللأسف، بات يقف لأي متغيرات في هذا البلد العربي بالمرصاد… بالفعل!!
إنّ نظام بشار الأسد قد بات ساقطاً لا محالة، على المدى القريب أو على المدى الأبعد قليلاً، وهكذا في الحالتين، يجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ هناك الآن تدافعاً دولياً وإقليمياً في هذه المنطقة، وعلى سوريا تحديداً، وكما هو واقع الحال في ليبيا… وفي العراق وفي اليمن أيضاً، وأنّ هذا البلد قد غدا ساحة صراعات دولية بين دول متعددة وكثيرة… الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران ثم قبل كل هذه الدول هناك إسرائيل التي تنتظر في هضبة الجولان، التي كانت قد «ضمّتها» إليها في وقت مبكر، وبصمت مطبق من قبل بشار الأسد، ومن قِبل والده قبله.