أحداث الثورة السورية التي بدأت عام 2011 بخروج تظاهرات في مدن سوريّة عدّة، مطالبة بإطلاق الحريات وإخراج المعتقلين السياسيين من السجون، ورفع حال الطوارئ، ثم مع الوقت ازداد سقف المطالب تدريجياً حتى وصل الى إسقاط نظام بشار الأسد بالكامل.. عكست بما لا يدع مجالاً للشك همجية نظام بشار في مواجهة شعبه… إذ بدأ بشار بمواجهة شعبه الأعزل مواجهة دامية، سرعان ما حوّلت هذه المواجهة الشرسة الثورة الى حرب أهلية مؤلمة منذ أن انطلقت في 18 آذار 2011…
لقد كشفت الثورة السورية في مراحلها كافّة الوجه الأكثر دموية وبشاعة لنظام بشار الأسد، ذلك الشاب القادم الى السلطة عبر تعديل دستوري طارئ، مكّنه من وراثة أبيه المرحوم حافظ الأسد.
ولأنّ الحرية كانت المفقود الأول في سوريا، فإنّ المناداة بها (أي الحرية)، عبّرت عن توْق الشعب السوري إليها. وتعدّدت أشكال الثورة، وبدأ الصراخ ضد بشار قاتل شعبه في مدن عدّة كجبلة وحماه واللاذقية وريف دمشق والمرجة والكسوة وداريا والتل ودوما والزبداني. إذ ذاك ملأ دخان الحرائق مدن سوريا… وبدأ العالم يفتح عيونه على المجازر التي يرتكبها بشار ونظامه، بعدما تدفق اللهب عبر كل الشاشات والمواقع والصفحات.
هنا استيقظ الضمير العربي بعدما تدفّق الدم وطال الانهيار معظم أجزاء المنظومة الأمنية والسياسية في سوريا . فكان أوّل ردّ فعل عربي هو سحب السعودية والكويت والبحرين سفراءها من سوريا يوم 9 آب 2011، ولاحقاً أصدرت الجامعة العربية هي الأخرى بياناً بشأن أحداث سوريا، أدانت فيه العنف ضد المتظاهرين، كما بدأ التشقق في جدار الصمت الدولي. فأعلنت فرنسا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي وكندا والولايات المتحدة في وقت واحد، دعوة صريحة للرئيس بشار الأسد للتنحّي عن السلطة، وإطلاق مسار ديموقراطي، يحقن دماء السوريين الأبرياء. لكن بشار الأسد أولى المجتمعين العربي والدولي أذناً صماء، فواصل دَكّ المدن والقرى على ساكنيها.
وتتابعت النقمة العربية على بشار الأسد… الى أن حدث الزلزال في تركيا وسوريا في الوقت نفسه بتاريخ 6 شباط 2023.. وتحرّكت نخوة العرب لنجدة سوريا… كما بدأت عملية وصول الطائرات المحمّلة بفرق الانقاذ والأغذية والمعونات الطبّية الى سوريا من «أشقائها» العرب، كاسرة حصار قيصر… ومعها برزت دعوة عراقية الى ضرورة وجود دورٍ عربي صريح بشأن عودة سوريا الى «محيطها العربي».
الظاهر -على ما يبدو- ان الزلزال في سوريا كسر، على رغم شناعته وآثاره المدمّرة، جليد قطيعة بعض الدول العربية مع بشار، وشكّل مدخلاً للعواصم العربية لعودة عكسيّة الى سوريا من «البوّابة الانسانية».
وفي هذا السياق، جاءت زيارة وزير الخارجية الإماراتي، عبدالله بن زايد لسوريا، ولقاؤه بشار الأسد، في وقت عزّزت فيه الإمارات إمداداتها الغذائية لسوريا عبر جسر جوّي.
ولم تتأخر عواصم كبيروت والجزائر وبغداد في تلبية واجب المساعدة، كما نشطت عواصم أخرى، على خط اختراق الجمود، وتعزيز العلاقات، بحيث أمر الرئيس التونسي قيس بن سعيد برفع التمثيل الديبلوماسي مع دمشق وبإرسال فريق من المساعدات. بينما كان لافتاً حدوث تطوّر ملحوظ في الموقف السعودي، وما قيل عن زيارة يخطط لها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان.
لقد بات واضحاً -على ما أعتقد- ان المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة… وهنا أتساءل: هل باتت الطريق ممهّدة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، لعودة سوريا الى جامعة الدول العربية؟. كما أتساءل في الوقت نفسه عمّا يُقال من أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يجري اتصالات بدول عربية لحثها على الاقبال على سوريا.
لقد كانت الحكومة السورية تأمل وتنتظر، كما يأمل وينتظر بشار نفسه، فتح منافذ، حتى ولو صغيرة من العلاقات مع المحيط العربي، وهي التي تعيش أزمة سياسية منذ 12 عاماً.
لقد ساهم الزلزال -على ما يبدو- في فتح الباب على مصراعيه أمام مسؤولين كبار لدول عربية لزيارة سوريا والتقرّب من بشار.
لقد تناسى «العرب» أنّ ظاهرة داعش والنصرة بدأت حين أطلق بشار حوالى ألف سجين من الاسلاميين في سجونه، وكذلك فعل العراق…
إنّ بشار الأسد، قاتل شعبه، لا يتغيّر ولن يتغيّر، وما الصورتان اللتان ظهرتا قبل مدة بعد الزلزال، واللتان تمثلان رئيس وزراء تركيا إلا دليل ساطع على عدم اهتمامه بالكارثة… كان رئيس وزراء تركيا حزيناً يبكي على الكارثة التي أصابت بلاده، في حين كان بشار الأسد يضحك، وكأنّ شيئاً لا يعنيه.
وهنا أسأل العرب أيضاً وأيضاً: هل يقوم بشار بتوزيع المساعدات على كل الشعب السوري؟ أم انه يستثني مناطق لا تروق له ولا تعجبه ولا يسيطر عليها؟
أعتقد، أنّ لا أحد غير متألم إنسانياً لما حدث خلال الزلزال… ولن تجد إنساناً لا يبكي على ضحايا هذا الزلزال المدمّر في تركيا وفي سوريا… وبخاصة ان الشعب العربي السوري هو شعبنا وهم أشقاؤنا ولا نريد أن نتخلّى عنهم…
لكنني أعتقد في الوقت نفسه، ان العرب تسرّعوا جداً.. في التعامل مع بشار الأسد، لأنه إنسان لا يوثق به… إنّه قاتل مليون سوري من شعبه، يوم لم يَرِفّ له جفن، ولم تَدْمَع له عين.
إعادة العلاقات الطبيعية مع سوريا واجب عربي… لكن إعادة هذه العلاقات مع بشار الأسد «خطأ كبير»..
فهل يمكن أن ينسى العرب، كلّ العرب، أشلاء ضحايا دبابات بشار وبراميله المتفجّرة؟!!