على لبنان، الحاضر الأهم من بين ثلاث دول عربية لمؤتمر النازحين في سوريا، أن يعي أنه في صدد التعامل مع “داهية العصر” الذي لا يريد أن يشهد ملف “من ارتاح من وطأتهم” أي تغيرات جذرية بأي حال في المدى القصير. وستظل سياسة المراوحة سيدة الموقف، بعد أن ثبتت نجاعة هذه المقاربة في تحقيق أهداف النظام السوري الإستئثارية بأقل تكلفة ممكنة. فبعد أن ضمن حضور لبنان للمؤتمر، أصدر مرسوماً تشريعياً استباقياً عدّل بموجبه قانون بدل الخدمة العسكرية للمقيمين خارج البلاد، رفع فيه سعر “الحرية” من الخدمة الإلزامية اللامحدودة الزمن في رسالة للنازحين تقول بشكل صارخ “لا تعودوا”!
“لكن العقبات كبيرة”… بهذه الكلمات توجه الرئيس السوري بشار الأسد في حديثه إلى من “يرغب بالعودة من اللاجئين”، وأكمل خطابه المنفّر قائلاً: “بالإضافة الى الضغوط التي يتعرض لها اللاجئون السوريون في الخارج لمنعهم من العودة، فإن العقوبات الاقتصادية اللاشرعية والحصار المفروض من قبل النظام الأميركي وحلفائه، تعيق جهود مؤسسات الدولة السورية التي تهدف لإعادة تأهيل البنية”. ونوه الرئيس السوري إلى أن سوريا تواجه اليوم “قضية مركبة من ثلاثة عناصر مترابطة، ملايين اللاجئين الراغبين في العودة، ومئات المليارات من بنية تحتية مدمرة بنيت خلال عقود، وإرهاب ما زال يعبث في بعض المناطق السورية”.
وفي أبرز ما قاله اعتبر أنه قام بتقديم “التسهيلات والضمانات لعودة مئات الآلاف من اللاجئين إلى الوطن من خلال العديد من التشريعات، كتأجيل الخدمة الإلزامية لمدة عام للعائدين والعديد من مراسيم العفو التي استفاد منها من هم داخل الوطن وخارجه”. وهنا يظهر ذكره للخدمة الإلزامية بالتحديد، على أنها “حافز” في حين أنه بالمقابل “جهز جحيماً من السُّخرة، بعد مرور السنة الأولى، لمن يختار العودة”. وهنا نسأل: ما سر جمعه بين الأمرين، وهل في ذلك رسالة معينة للبنان؟
ويقول المستشار القانوني السوري بسام طبلية لـ”نداء الوطن”، إنه “وبسبب الأزمات الاقتصادية يحاول الأسد لملمة الأموال بأي طريقة ممكنة وهذه المرة عن طريق الخدمة الإلزامية للعلم، ولم تكن هذه الطريقة هي الأولى بل استغل الحاجة الملحة لجوازات السفر وفرض رسوماً باهظة للحصول عليها أو تجديدها قبل عامين تقريباً، ويعد جواز السفر أغلى جواز في العالم”.
أما في ما خص التوقيت، فيقول طبلية: “على القارئ أن يعي أن من يدخل الجيش لا يخرج منه بسنوات وقد لا يخرج، فلم يتم تسريح أي مقاتل من الخدمة الإلزامية منذ أكثر من تسع سنوات وحتى اللحظة، وعليه إن الغاية الأولى من اصدار هذا المرسوم هي اقتصادية، أما الغاية المبطنة فهي حتماً “تنفيرية” تدفع الغالبية الفقيرة لتفادي العودة إلى الوطن ولو أعفي العائد من اللاجئين في سنته الأولى من خدمة العلم. فالمبالغ المطروحة تعجيزية تتراوح بين 7 و 10 آلاف دولار أميركي”. ويختم: “سأقيسها على نفسي، وعلى أبنائي، ونحن في أوروبا، إلى ماذا يريدنا أن نعود؟ ولماذا علينا أن ندفع كل هذه المبالغ ومقابل أي حقوق؟”.
من جهته رأى الصحافي اللاجئ في لبنان أحمد القصير في حديث مع “نداء الوطن” أن الرئيس السوري الذي أمل في كلمته “الخروج بتوصيات ومقترحات تساهم بشكل مباشر في عودة السوريين إلى وطنهم، لتعود سوريا بهم وبمواطنيها الذين بقوا وصمدوا على مدى سنوات عشر أفضل مما كانت”، لم يترجم حتى الآن أقواله أفعالاً وأن ما يبدو لكل اللاجئين هو أن ما “يهمه هو استقطاب الميسورين وأصحاب الأملاك والطبقة المخملية، أكثر مما يريد إضافة عبء إضافي على اقتصاد بلده المنهك والذي يواجه حالياً العقوبات الأميركية سواء عبر قانون قيصر أو غيره”. وأن الواقع يقول إن المؤتمر جاء “مبتوراً” بعد صدور تعديل مرسوم الخدمة العسكرية. وبالرغم من أن مشاركة لبنان “حذرة” محدودة الإطار، وهي ديبلوماسية واستراتيجية في مؤتمر ذي طابع دولي تتمحور حول قضية اللاجئين وحلحلة هذا الملف الشائك الذي يرمي بثقله على الإقتصاد اللبناني، في ظل حاجة لبنان الحيوية الى عودتهم الى بلادهم مما لا طاقة له على تحمله، إلا أن الفقراء والطبقة الكادحة من السوريين في الخارج والذين ذهبوا إلى أوروبا عبر قوارب الموت، وهم الأغلبية، لن يعودوا إلى سوريا بخاصة في ظل استمرار الأزمة الإقتصادية في الداخل السوري ووجود أكثر من 80% من السوريين تحت خط الفقر، وهي الحقيقة المرة”.