منذ اندلاع الثورة في سوريا عام 2011، وُجّهت لنظام بشار الأسد في سوريا اتهامات عدة، بارتكاب «جرائم ضد الإنسانية»، وممارسات تنتهك حقوق الانسان: كالتعذيب والإغتصاب والإعتداءات الجنسية والإعدامات خارج إطار القانون وشنّ هجمات كيمياوية.
وأذكّر هنا بدعاوى السوريين عام 2017 بألمانيا، الذين أكدوا أنهم ضحايا تعذيب، وأنّ نظام بشار ساهم في عمليات تعذيب موثّقة… ولا أنسى كذلك أنه في أيلول من العام نفسه، تسلمت النيابة الفيدرالية حوالى 27 ألف صورة من أصل 55 ألفاً، حملها «قيصر»، وهو اسم مستعار لمصوّر سابق في الشرطة العسكرية السورية، انشق عن النظام عام 2013، تظهر الوحشية والإنتهاكات في السجون السورية. كما ان النيابة العامة في باريس فتحت تحقيقاً أولياً حول «ارتكاب جرائم ضد الانسانية» في سوريا، تتعلق بأعمال خطف ارتكبها النظام السوري.
كل هذا دفع بالأمم المتحدة عام 2016، الى تشكيل آلية محايدة ومستقلة، هدفها المساعدة والتحقيق والملاحقة القضائية، للأشخاص المسؤولين عن ارتكاب الجرائم «الأشد خطورة» في سوريا. وتعمل هذه اللجنة منذ شهر نيسان عام 2018 على جمع الأدلة من أجل تسهيل إصدار أحكام محتملة على مرتكبي الجرائم ضد الانسانية.
أقول: إنّ رئيساً «سحل» شعبه، وهجّر مواطنيه ونكّل بهم، لا يجوز أن يظل رئيساً لبلاده. فمن لا خير فيه لأهله، لا خير فيه للآخرين…
ما دفعني الى خوض هذا الموضوع، هو ما كشفه «الجانب الروسي» وفي هذا التوقيت تحديداً، حول توجيه القيادة السورية رسالة الى موسكو عام 2013، يستجدي بشار الأسد من خلالها، التدخل الروسي، لإنقاذه من سقوط وشيك.
إنّ كشف مضمون هذه الرسالة، يعكس بعض جوانب ازدياد الإستياء في موسكو من أداء بشار الأسد، التي لم تعد تقتصر كما ورد في الرسالة، على محاولات عرقلة الخطوات الروسية، الهادفة الى دفع عمل «اللجنة الدستورية» في إطار تطبيق القرار 2254، بل تعدّى ذلك الى الرهان الكامل، على عدم وجود بدائل لدى المجتمع الدولي، أو مواصلة التفكير بأنّ الحلّ العسكري وحده، قادر على تثبيت معادلة جديدة أو وهو الأهم هنا، الرهان على أدوار أخرى أو صفقات مثل «الميل نحو التطبيع مع إسرائيل».
في هذا الأمر، قالت مصادر روسية موثوقة، «إنّ محاولات التلاعب بملف التطبيع من وراء ظهر روسيا خطيرة جداً، لأنها تعكس إستعداداً للتنازل عن كل شيء. بما في ذلك التراجع عن المواقف الثابتة، التي دافعت عنها موسكو، عبر أهمية تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بملف الجولان، وغيره من الملفات لدفع أي حوارات…
إنّ الكشف عن هذه الرسالة، وفي هذا الوقت بالذات، يعني أنّ موسكو عمدت عملياً الى تذكير النظام مجدداً، بالوضع الذي كانت عليه الأمور قبل أن تتدخل لإنقاذه. أيضاً، هو يشكّل السجال حول الانتخابات المقبلة، أحد محاور الإستياء، لأنّ موسكو التي تدعم استكمال الاستحقاق الانتخابي، لمنع حدوث فراغ دستوري ستكون له تداعيات وآثار ضارّة، لا ترغب في أن ينعكس موقفها، وكأنه موافقة على ما تقدّمه الآلة الإعلامية السورية، حول حتمية بقاء الأسد.
وهنا أعتقد جازماً، وبكل موضوعية، ان الأمور وصلت في سوريا، الى وضع خطير جداً، وباتت دمشق مهدّدة فعلاً، ومحاصرة تماماً. وقد دلّت كل المعطيات، على خطر إنتقال المعارك التي تبدو اليوم متباعدة، ما ينذر بتهديد نظام الأسد.
إنّ مساعدة روسيا لسوريا، منذ بداية الثورة السورية، وإنقاذ نظام بشار الأسد من الإنهيار بعد استغاثة النظام وتوسّل النجدة من روسيا. ومن هذا المنطلق، كانت رسالة الاستغاثة التي كشفت عنها روسيا اليوم، تدلّ على أنّ نظام بشار بات يراهن على قوى أخرى غير روسيّة، وطعن روسيا في الظهر… والدليل على ذلك أنّ نظام بشار الاسد، فتح قنوات اتصال مع القوى الموجودة على الارض، وفتح آلية تنسيق سرّية مع الاميركيين، لتجنّب الإحتكاكات، والتلويح بعملية التطبيع مع إسرائيل…
ونتساءل: هل بدأت موسكو فعلاً، تشعر بوجود أيادٍ خفيّة، مكلّفة من قبل نظام بشار للعمل على حلول من وراء ظهر موسكو؟ وهل عملية التطبيع هي جزء من هذه المحاولات الخفيّة التي يقوم بها أنصار النظام السوري القائم المساند لبشار الأسد.
إنّ بشار نفسه، الذي لم يكن أميناً على شعبه، طيلة هذه السنوات… فهدّم وقتل وسجن وهجّر، لا يمكن أن يكون صادقاً مع روسيا… في حين كان والده المرحوم حافظ الأسد صادقاً مع المتحاورين معه… ويكفي هنا أن أذكّر أيضاً -لعلّ الذكرى تنفع المتابعين، بزيارة الرئيس الاميركي الأسبق ريتشارد نيكسون الى دمشق، برفقة وزير خارجيته يومذاك هنري كيسينجر… فقد عقد الرئيس حافظ الأسد ونيكسون، جلسة مباحثات في قصر الروضة في دمشق بتاريخ الخامس عشر من حزيران من العام 1974، وبحضور وزيري خارجية البلدين… وقال نيكسون «نحن مع تطبيق القرارين الدوليين 242 و338 بحذافيرهما، أي الإنسحاب التام من الأراضي المحتلة وتحقيق السلام». فقال له الرئيس الأسد: «نسمع بين الحين والآخر، أقوالاً لمسؤولين أميركيين، يؤكدون فيها، أنه قد يتم إجراء بعض التعديلات». فأجاب الرئيس نيكسون: «نعم تعديلات طفيفة ومتبادلة بين البلدين». فقال هنري كيسينجر وهو يكتم غيظه: «سوف نلتقي في واشنطن يا نيكسون»… وحين وصل نيكسون الى الولايات المتحدة، أثيرت في وجهه فضيحة «ووترغيت» التي دفعت الرئيس نيكسون الى الإستقالة.
ذاك الموقف كان للرئيس حافظ الأسد، في حين أنّ موقف بشار هو «التنكّر لحليفه الروسي واللعب على حبالٍ عدّة.. وعندما تشتد به الأزمة، يتناسى ما اقترفته يداه، ويكتب رسائل إستغاثة، يتوسّل فيها بوتين، لمساعدته في أن يظل رئيساً لسوريا.
بالله عليكم… ما قيمة الكرسي، بعد كل هذه الجرائم والطعنات؟ ويا أيتها الكرسي هل تستحقين فعلاً أن يتمسّك بك شخص، ولو دفع من «صدقه» و»وطنيته» و»وفائه» الكثير الكثير»؟